القدس محور السلام في الشرق الأوسط
سلطان حميد الجسمي
لم يعد قرار الحكومة الأمريكية الاعتراف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل» قراراً عابراً، فاليوم أكثر من مليار وستمائة ألف مسلم وعربي حول العالم غاضب من قرار الرئيس الأمريكي، وليس هؤلاء فقط غاضبون، بل أيضاً معظم دول وكيانات العالم رافضة لهذا القرار، الذي يعد انحيازاً تاماً للجانب «الإسرائيلي» من دون وجه حق، وهو يسير على خطى وعد بلفور الذي «أعطى ما لا يملك لمن لا يستحق».
القرار الذي دخل عامه الـ٢٢ من تاريخ اتخاذه عام ١٩٩٥ عندما صادق الكونجرس الأمريكي على قانون يسمح بنقل السفارة الأمريكية من «تل أبيب» إلى القدس، والاعتراف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل»، بات اليوم كابوساً مزعجاً، وأعطى الحرية للرئيس الأمريكي بالتوقيع عليه لإقراره بعد أن امتنع عنه كل رؤساء أمريكا السابقين من ١٩٩٥ إلى ٢٠١٧، بينما نرى اليوم الرئيس الأمريكي ترامب يتحدى العالم، ويقرر هذا الاعتراف الذي يجعل الولايات المتحدة الأمريكية أول دولة تعترف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل» منذ احتلالها فلسطين عام ١٩٤٨.
لم يعترف المجتمع الدولي بسيادة «إسرائيل» على القدس، نظراً لهويتها العربية التاريخية، ولمكانتها الدينية الكبيرة في قلوب المسلمين، فهي تحضن مواقع ومقدسات إسلامية ومسيحية، والدول العربية تعتبر القدس جزء لا يتجزأ من فلسطين العربية، وأرضاً محتلة من قبل «إسرائيل».
إن هذا القرار جدد مطالب المسلمين حول العالم بأحقية استرجاع الدولة الفلسطينية، وحماية عروبة وإسلامية القدس الشريف، وحماية حقوق الشعب الفلسطيني، لأن مخاطر هذا القرار كبيرة، فهو سبب لخلق إضرابات جديدة في الشرق الأوسط، ولن يتنازل العرب والمسلمون عن موقفهم الثابت من عروبة القدس وإسلاميتها؛ حيث يعتبر القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين.
ليس الوقت مناسباً للرئيس الأمريكي لكي يدخل في صراع مع العالم الإسلامي، وخاصة في موضوع القدس، والذي يعتبر القلب النابض لكل مسلم، وفي هذه الأوقات العصيبة التي يشكو فيها العالم الإسلامي من انقسامات وثورات وحروب ونزاعات، وهذا القرار يزيد المخاطر أكبر من حيث التوازنات والتحولات الإقليمية التي من شانها تأجيج التوتر في الشرق الأوسط.
بهذا الإعلان فإن عملية السلام في الشرق الأوسط باتت تواجه الفشل الذريع، وبعد قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل» فإن أزمة كبرى تطل برأسها على المنطقة، فالمجتمع المسلم والدولي سوف يتخذ إجراءات دبلوماسية وسياسية ضد الولايات المتحدة الأمريكية وبالأخص ضد الرئيس ترامب، وأكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن الولايات المتحدة لم تعد مؤهلة لرعاية عملية السلام بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين»، مؤكداً بذلك أن انتفاضة كبرى قادمة، وأن دور الولايات المتحدة في عملية السلام قد تلاشى ولم تعد محل ثقة.
وفي سياق آخر لعملية السلام في الشرق الأوسط والتأكيد أن القدس هي محور السلام في المنطقة، حذر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الرئيس الأمريكي من «أن أي إعلان أمريكي بشأن وضع القدس يسبق الوصول إلى تسوية نهائية سيضر بمفاوضات السلام ويزيد التوتر بالمنطقة، وأن من شأن هذه الخطوة الخطيرة استفزاز مشاعر المسلمين كافة حول العالم، نظراً لمكانة القدس العظيمة والمسجد الأقصى القبلة الأولى للمسلمين»، وهذا التحذير والتأكيد من ملك المملكة العربية السعودية، يؤكد أن القدس خط أحمر لدى مسلمي العالم أجمع، وأن خطوة الاعتراف بها عاصمة لـ«إسرائيل» خطيرة جداً، وتنسف عملية السلام في الشرق الأوسط.
على المجتمع الدولي أن يدرك مخاطر هذا القرار، لأنه سلب حقوق الفلسطينيين والمسلمين حول العالم، وسوف يزيد من غضب المسلمين، ولابد من التصدي لهذا القرار، وبذل كل الجهود المتاحة لإقناع المسؤولين الأمريكيين بعدم نقل السفارة الأمريكية إلى القدس الشريف.
إن ما يعيشه الشعب الفلسطيني منذ الاحتلال الصهيوني من سلب حقوقهم بالكامل وقتلهم وتهجيرهم وحرمانهم من أقل حقوقهم كالتعليم والصحة والرعاية وتوفير الحياة الكريمة هي وصمة عار على جبين الإنسانية، وبعد هذا القرار غير الشرعي أيضاً، فإن مأساة هذا الشعب الصامد ستزيد، وعلى المجتمع الدولي اتخاذ جميع التدابير لحماية حقوق الشعب الفلسطيني، واسترجاع أراضيه، ومساعدته على العيش بكرامة، واحترام حقوقه، ومنحه الحياة التي يتمتع بها كل إنسان حول العالم.
sultan.aljasmi@hotmail.com