القوة الناعمة
فيصل عابدون
القوة الناعمة هي الدبلوماسية النشطة الخلاقة، الوساطة في النزاعات، منظمات العون الإنساني والمال الوفير والقدرة على دعم برامج التنمية وإعادة الإعمار في الدول الأخرى وإقراضها. والقوة الناعمة هي أيضاً الشركات الكبرى العابرة للحدود ومنظمات المجتمع المدني والصحافة ووسائل الإعلام المؤثرة واسعة الانتشار وهي فوق كل ذلك الثقافة الجاذبة والإرث الحضاري عميق الجذور.
وهي باختصار امتلاك وسائل الإقناع والاستمالة وتحقيق أهداف السياسة الخارجية من دون اللجوء للخشونة والعنف. وهي لا تشكل بديلاً للحرب بأي حال لكنها خيار آخر أقل كلفة ومأساوية بكثير.
ومصطلح القوة الناعمة هو تعبير حديث ابتدعه جوزيف ناي مساعد وزير الدفاع في حكومة الرئيس الأمريكي بيل كلنتون. ويعرف ناي المفهوم بأنه يمثل القدرة على الجذب والضم دون الإكراه أو استخدام القوة كوسيلة للإقناع.
ويقول إن الانفتاح وقوة وسائل الاتصال والبرمجيات قد تشكل عائقاً كلما حاولت الولايات المتحدة شن حرب جديدة، ويدعو إلى اعتماد استراتيجية القوة الناعمة لضمان حلفاء ليس من الحكام فقط بل من شعوب المناطق التي تريد أمريكا فرض سيطرتها عليها.
على أننا يجب أن ننظر بحذر إلى افتراض ناي بأن حسم الصراعات بالقوة العسكرية لوحدها أصبح أمراً من الماضي، فأسواق الحروب تشهد اليوم ازدهاراً لا سابق له في التاريخ.
بدوره يعتبر ميشيل فوكو، أن القوة الناعمة تتضمن إجباراً وإلزاماً غير مباشرين، تعتمد في ظهورها على القوة الخشنة أو الصلدة. وتقوم بأعمال تعجز القوة الصلدة عن القيام بها. والقوة الناعمة ليست دعاية سياسية، بل هي سجال عقلي وقيمي يهدف إلى التأثير في الرأي العام داخل الدولة وخارجها.
وبات معروفاً على نطاق واسع أن القوة الناعمة تعني أن يكون للدولة قوة روحية ومعنوية من خلال ما تجسده من أفكار ومبادئ وأخلاق ومن خلال الدعم في مجالات حقوق الإنسان والبنية التحتية والثقافة والفن، ما يؤدي بالآخرين إلى احترام هذا الأسلوب والإعجاب به ثم اتباع مصادره.
وتحتل الولايات المتحدة المركز الأول في امتلاك وسائل القوة الناعمة فهي بلد الكوكاكولا والوجبات السريعة وأكبر مصدر للأفلام السينمائية والبرامج التلفزيونية، والتيارات الحديثة في عالم الموسيقى، والوسيط الأبرز في الأزمات والصراعات الدولية وأكثر الداعمين سخاء في برامج العون الإنساني. وتليها ألمانيا وبريطانيا واليابان وفرنسا ثم سويسرا وأستراليا والسويد والدنمارك وكندا.
وفي سبتمبر 2017، كسرت دولة الإمارات العربية احتكار الغرب للقوة الناعمة وأطلق مجلس القوة الناعمة، الذي تم تأسيسه حديثاً «استراتيجية القوة الناعمة» وهي عبارة عن منظومة عمل وطنية شاملة تسعى إلى تعزيز سمعة دولة الإمارات، إقليمياً ودولياً، وتكريس مكانتها كقوة اقتصادية وثقافية وإنسانية وحضارية، وترسيخ محبتها وسط جميع شعوب العالم، وإبراز صورتها كدولة منفتحة على الثقافات والحضارات كافة.
Shiraz982003@yahoo.com