الكونفدرالية «صفقة القرن»
حافظ البرغوثي
تشهد الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة سلسلة اجتماعات على هامشها يكون القاسم المشرك فيها هو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي سيبحث القضايا الدولية المتفاقمة، ومن بينها القضية الفلسطينية، حيث يعتزم على ما يبدو وضع أفكاره بشأن «صفقة القرن» على الطاولة أمام من سيلتقيهم من الزعماء العرب ورئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو. وكان الوفد الأمريكي للمنطقة التقى الجانبين 21 مرة منذ تسلم ترامب الإدارة الأمريكية، ولوحظ أن الوفد الذي كان في بعض الأحيان برئاسة جاريد كوشنير صهرالرئيس ترامب لم ينطق قط بحل الدولتين أي إقامة دولة فلسطينية إلى جانب الكيان «الإسرائيلي»، وهو ما يتفق مع وجهة النظر التي يتبناها رئيس الوزراء «الإسرائيلي» والأحزاب اليمينية المتحالفة معه في حكومته.
وفي الجولة الأخيرة، وجه كوشنير سؤالاً بدا عابراً للرئيس الفلسطيني محمود عباس «ما رأيك في الكونفدرالية مع الأردن؟» بالطبع لم يقل هذا الكلام عن نية صافية، لأنه يعمل جدياً لبلورة حل أمريكي يتضمن إقامة كونفدرالية مع الأردن ويلغي الدولة الفلسطينية من القاموس السياسي. وكان الأردن ممثلاً بالملك عبدالله الثاني توجس خيفة من هذا الطرح الناقص، والتقى لذلك الرئيس الفلسطيني في رام الله لتنسيق المواقف حول هذا الموضوع، واتفق الطرفان على عدم الإقدام على أية خطوة دبلوماسية تثير غضب الإدارة الأمريكية في هذا الوقت كسحب الاعتراف ب«إسرائيل» من قبل منظمة التحرير بل العمل على إحراج «إسرائيل» دبلوماسياً في المحفل الدولي والتأكيد على ضرورة قيام دولة فلسطينية أولاً قبل الحديث عن كونفدرالية.
الائتلاف الحاكم في «إسرائيل» يرفض بالمطلق إقامة دولة فلسطينية وأكثر ما يعرضه نتنياهو هو حكم ذاتي محدود في المنطقة المسماة «أ» التي تشمل 39 في المئة من مساحة الضفة الغربية، فهو تلميذ مطيع لزئيف جابوتنسكي الأب الروحي لليمين «الإسرائيلي» الذي كتب سنة 1924 مقالاً بعنوان «الجدار الحديدي»، أوضح فيه مراحل إقامة الدولة اليهودية في فلسطين، ومنح الفلسطينيين حقوقاً مدنية فقط، أما الجدار الحديدي الذي عناه فهو قوة عسكرية قوية تعتمد على الجيش البريطاني لقمع العرب، ثم على جنود يهود لاحقاً. وقد أقام الاحتلال «الإسرائيلي» جداراً حديدياً وأسمنتياً مع الضفة الغربية إضافة إلى قوته العسكرية.
وكانت أحزاب اليمين الحاكم في «تل أبيب» تسابقت لطرح خططها مؤخراً لحل القضية الفلسطينية كما هو حال الليكود الذي يركز على الحكم الذاتي دون دولة، أو حزب البيت اليهودي الذي يرفض الكيانية الفلسطينية مهما كانت، ويعمل لحل يقوم على أساس طرد الفلسطينيين من أرضهم إن لم ينصاعوا للاحتلال ويعيشوا دون حقوق سياسية أو سيادية أو ما أقره حزب الاتحاد القومي قبل فترة بضرورة تهجير الفلسطينيين إلى الخارج، أي العودة إلى خطة الترانسفير الجماعي وهي خطة تؤيدها كل أحزاب اليمين، لكنها لا تجاهر بدعمها. لكن في الجلسة الأخيرة لإقرار الخطة في اجتماع للحزب أرسل نتنياهو برقية تأييد للحزب، كما حضر ممثلون عن أحزاب اليمين الأخرى، بمعنى أنه لا يجوز منح الفلسطينيين سوى حكم إداري محدود وقمع طموحاتهم الوطنية بالقوة وتشجيعهم على الهجرة إلى الخارج.
الجانبان الفلسطيني والأردني يفهمان اليمين «الإسرائيلي» وأهدافه التي ترفض وجود دولة فلسطينية على أرض فلسطين. وعندما سيطرح الأمريكيون أفكارهم حول الكونفدرالية سيكون الرد هو «لا»، وسيطالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس في خطابه الاحتلال بتحديد حدود «إسرائيل» أولاً، وسيطالب الجانبان الفلسطيني والأردني بضرورة إعلان قيام دولة فلسطينية قبل الحديث عن الكونفدرالية، لأن الكونفدرالية تتم بين دولتين مستقلتين ولا يجوز إعلانها دون ذلك، لأنه في حالة عدم قيام دولة فلسطينية فإن «إسرائيل» تستطيع تهجير الفلسطينيين إلى شرق الأردن باعتبار أن دولتهم هناك، ولم تكن هناك دولة فلسطينية. وقد بدأ الأمريكيون حالياً في بحث حدود الدولة لهذا الغرض، وعادوا لفكرة تحويل أبوديس مع امتداد في الأحياء العربية في القدس لتكون عاصمة فلسطينية.
وبالطبع هذه مجرد أفكار أولية عما سيحدث، لكن الأفكار ستتبلور لاحقاً. ففي حالة التوافق عليها ستدعو الولايات المتحدة إلى مؤتمر للسلام للإعلان عنها، لكن يبقى هناك الموقف «الإسرائيلي» الذي يرفض أية كينونة فلسطينية مستقلة، فالإدارة الأمريكية ستكون في وضع تصادمي مع حكومة اليمين التي كما يبدو تلفظ أنفاسها لأن رئيسها وزوجته قيد المساءلة القانونية بتهمة الفساد، وبالتالي سيكون نتنياهو أكثر تصلباً سياسياً لحشد اليمين من حوله الذي يرفض اتهامه وإدانته.
hafezbargo@hotmail.com