قضايا ودراسات

اللعب بالمصطلحات

نبيل سالم
تطالعنا الماكينة الإعلامية في الغرب بمصطلحات وتسميات جديدة، ليست موضوعية أبداً، وإنما مصطلحات وتسميات خبيثة، يتم انتقاؤها بعناية فائقة، يشارك في صياغتها خبراء إعلاميون، وآخرون في علم النفس، وتهدف إلى التأثير في الرأي العام العربي والعالمي، أو تغيير المزاج الشعبي العام بالنسبة لهذه القضية أو تلك.
ومن هذه المصطلحات الكثيرة، مصطلح الإرهاب، وما ينتج عنه من اشتقاقات، جديدة كل يوم، مثل مصطلح «الإرهاب الإسلامي» أو «التطرف الإسلامي».
وبداية لا بد من الإشارة إلى أن هذه السطور ليست دفاعاً عن الدين الإسلامي، وذلك لسببين أولهما، أن الدين الإسلامي لا يحتاج أحداً للدفاع عنه، فهو دين واضح ومعروف بتسامحه، ودعوته إلى السلام، وثانيهما أن فكرة الدفاع عن الدين الإسلامي تحتاج إلى متخصصين، وعالمين بالأمور الدينية الدقيقة، وهذا ما لا ندعيه، ولكن لا بد من التذكير هنا أن الإعلام الغربي، يسعى وبشكل حثيث إلى تشويه المسلمين، وتشويه صورة العرب، من خلال هذه المصطلحات التي تجد مع الأسف طريقها إلى وسائل الإعلام عن قصد أو غير قصد.
فكما هو معلوم فإن الإرهاب ليس وليد هذه المرحلة، وإنما هو قديم قدم التاريخ نفسه، وإننا لو حاولنا تتبع منابت الإرهاب لوجدنا، أن المجتمعات الغربية كانت من أوائل المجتمعات التي شهدت أعمالاً إرهابية في التاريخ الحديث، ناهيك عن أن الاستعمار الغربي، بحد ذاته يمثل أوضح صورة للإرهاب.
صحيح أن الكثير من العمليات الإرهابية التي وقعت مؤخراً في أوروبا نفذها «مسلمون»، ومعظمهم عاشوا في أوروبا، وحملوا الجنسيات الأوروبية، ولكن هذا لا يلغي الحقيقة التي باتت مكشوفة للجميع، وهي أن معظم التنظيمات المتطرفة، ولا سيما تنظيم «داعش» الإرهابي، هو صناعة الاستخبارات الغربية، وتم تصنيعه لتأدية دور محدد يهدف إلى تمهيد السبيل إلى تدمير الدول العربية، وتسهيل فكرة التدخل الخارجي فيها، وهو ما يبدو الآن واضحاً تماماً سواء في سوريا أو العراق أو ليبيا أو مصر أو اليمن، ودول عربية أخرى، حيث يستهدف هذا التنظيم الإرهابي تدمير كل ما يقع تحت يديه، وحتى الآثار في الدول التي ينشط فيها. وبغض النظر عن أصل هؤلاء الإرهابيين، سواء كانوا عرباً أم غير عرب، فإنه يصح القول أن هناك متطرفين مسلمين، وليس إسلاماً متطرفاً، كما هو الحال بالنسبة للديانات الأخرى، حيث يوجد مسيحيون متطرفون، وليس مسيحية متطرفة، ويهود متطرفون وليس يهودية متطرفة، وهندوس متطرفون وليس هندوسية متطرفة الخ، وبالتالي فإن إلصاق صفة التطرف أو الإرهاب بديانة بعينها، إنما يقصد به تشويه أتباع هذه الديانة أو تلك، ولا يهدف أبداً إلى توصيف الواقع.
والمفارقة الغريبة أن هذه المصطلحات تطلق أكثر ما تطلق من قبل جهات معروفة بتاريخها الإرهابي، كما هو الحال بالنسبة للكيان الصهيوني، الذي يعد من أوائل الذين أدخلوا فلسفة الإرهاب إلى منطقتنا، فهم أول من لجأ إلى عمليات الاغتيال والتفجيرات، والمجازر بحق الشعب الفلسطيني حتى قبل إعلان قيام الكيان الصهيوني، بدءاً من اغتيال الكونت برنادوت الوسيط الدولي على يد عصابة ال«هاغانا» الصهيونية المتطرفة، في عام 1948، إلى المجازر الجماعية بحق الشعب الفلسطيني، واحتلال الأراضي الفلسطينية.
وإذا ما علمنا أن الإرهاب هو كل فعل من أفعال العنف أو التهديد أيًّا كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذًا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم، أو تعريض حياتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة، أو اختلاسها أو الاستيلاء عليها، أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر، نلاحظ أن كل هذه الصفات تنطبق بشكل كبير على الكيان الصهيوني الذي يحاول الآن الظهور بمظهر من يحارب الإرهاب، بل ويسوق من خلال الماكينة الإعلامية الغربية، كطرف رئيسي في مسرحية ما يسمى بمكافحة الإرهاب.
أخيراً وليس آخراً لا بد من القول: إن الإرهاب هو عمل مدان، وإن أي صاحب ضمير أو أخلاق لا يمكن أن يقبل به وسيلة للتعامل بين البشر، ولكن محاربة الإرهاب شيء، واستثمار هذا الشعار لأغراض سياسية ومصالح دولية شيء آخر، وإن إلصاق صفة الإرهاب بشعب أو ديانة ما يمثل الإرهاب بأوضح صوره على الإطلاق، وإن لعب القوى الاستعمارية بالمصطلحات المتعلقة بالإرهاب، ليس سوى وسيلة لتضليل الرأي العام، والتغطية على الجرائم التي ترتكب بحق الشعوب المستضعفة تحت يافطات مختلفة وشعارات مضللة.

nabil_salem.1954@yahoo.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى