قضايا ودراسات

المؤرخ والسيناريست

خيري منصور
للدراما التاريخية المتلفزة فوائد تربوية وثقافية لا أحد يعترض على أهميتها شرط أن يكون تناول أحداث التاريخ بعيداً عن الجولات الأفقية والسياحية. فالغاطس من التاريخ أضعاف ما يطفو منه، لهذا لم يعد المؤرخون سواسية أو متجانسين، ليس فقط لاختلاف المكونات الفكرية والميول الإيديولوجية بل من حيث التعمق في التحليل وقراءة ما بين السطور. لهذا أصبح للتاريخ فلاسفته وحفاروه أو ما يسمى الاركيولوجيون الذين مهد لهم الرائد ابن خلدون في مقدمته الخالدة، حين طالب المؤرخين بعقد المقارنات بين الروايات المختلفة والاحتكام إلى القرائن من أجل ترجيح رواية على أخرى، وبهذا المقياس تصبح الأسباب التقليدية والمدرسية لسقوط إمبراطوريات كالإمبراطورية الرومانية قاصرة، وأحادية البعد، وكذلك أسباب سقوط دول كالعباسية والأموية.
حتى الحروب لها قراءات متعددة سواء من حيث دوافعها الحقيقية أو نتائجها، خصوصاً بعد أن صاح مؤرخ ألماني في النصف الأول من القرن الماضي قائلاً إن نصف التاريخ على الأقل من إملاءات الأباطرة والمنتصرين.
وبالعودة إلى الدراما التاريخية كما يقدمها التلفزيون نجد أن هناك مسلسلات تطبخ على عجل وعلى نار ذات لهب وفيها أخطاء منها ما يتعلق بالرواية التاريخية، ومنها ما له صلة بالفن ذاته. ففي أحد المسلسلات التي تعود إلى ما قبل ألف عام يظهر أحد الممثلين وتزين معصمه ساعة وأحياناً تقدم في المسلسلات أدوات لا علاقة لها بالزمن الذي وقعت فيه الأحداث. وهذا ما يتكرر في أفلام ومسلسلات يظهر فيها الأطباء وكأنهم أتوا من مهن أخرى لا علاقة لها بالطب، إضافة إلى أخطاء يتضرر منها المشاهدون إذا صدقوا ما يسمعون!
فلماذا لا يلجأ المشتغلون في هذا الحقل إلى خبراء يراجعون النصوص والسيناريوهات التي يجرب الهواة فيها بداياتهم؟
إن التثقيف الدرامي بالتاريخ لا يعني إعادة إنتاجه أو إخضاعه للحذف والإضافة حسب الطلب، لهذا فالدراما التاريخية المتلفزة سلاح ذو حدين.Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى