قضايا ودراسات

المدنيون ضحايا الحروب

بيتر فان بورين
في منتصف يونيو / حزيران، قال وزير الدفاع الأمريكي (الجنرال المتقاعد) جيمس ماتيس، إن «الخسائر بين المدنيين هي واقع حياة محتم في مثل هذا الوضع»، مشيراً بذلك إلى الحرب الأمريكية ضد «داعش» في الشرق الأوسط.
أسفر القتال ضد «داعش» في الرقة والموصل عن مقتل مدنيين وتدمير ديارهم على مستوى العصور الوسطى. ولكن كيف تستطيع أمريكا مواصلة قتل مدنيين عبر الشرق الأوسط بضمير مرتاح؟. هذا أمر سهل: فلنسأل نحن الأمريكيين أجدادنا الذين قاتلوا في الحرب العالمية الثانية. ففي تلك الحرب، لم يكن سقوط مدنيين يعتبر «خسائر تبعية» (غير مقصودة) كما يقال اليوم، بل كان سياسة مرسومة.
في أعقاب تحديد ما وصفه البعض بأنه قواعد اشتباك غير مقيدة، تسببت الضربات الجوية في الشرق الأوسط التي تقوم بها طائرات التحالف بقيادة الولايات المتحدة بمقتل آلاف المدنيين. وحسب تقرير لمجلة «نيوزويك» الأمريكية، أسفرت هذه الضربات في سوريا والعراق عن مقتل 1484 مدنياً في شهر مارس/ آذار وحده. وحسب تقارير منظمات أهلية أمريكية، فإن حوالي 3100 مدني قتلوا في ضربات جوية منذ أن أطلق التحالف حربه على «داعش»، في حين أن ضربات الطائرات بلا طيار قتلت 3674 مدنياً آخرين. وفي 2015، دمرت طائرات أمريكية مستشفى بأكمله في أفغانستان، وكان في داخله العديد من الأطباء والمرضى. وفي مدينة الرقة السورية، تم قصف أحياء بأكملها وتسويتها بالأرض بصورة منظمة.
وهذا يدحض حجة سقوط قتلى مدنيين «عرضاً» أو «عن طريق الخطأ». وكثيرون من المدنيين قتلوا بصواريخ جو-أرض «هيلفاير» (نار الجحيم) المصممة لتدمير الدبابات، والتي استخدمت لتدمير أحياء مدنيين.
وبرغم كل ذلك، يصر المتحدثون الرسميون على أن المدنيين لا يستهدفون أبداً عن قصد. ويقول بعضهم إن الأمريكيين لا يتعمدون أبداً قتل أبرياء.
ولكنهم فعلوا ذلك. ففي الحرب العالمية الثانية، تم تطوير أسلحة جديدة خصيصاً من أجل تدمير مدن بأكملها. وعلى سبيل المثال، العديد من المباني في مدن أوروبا كانت تبنى بالطوب والأحجار، فكانت تدمر باستخدام متفجرات تقليدية. أما في اليابان، فقد كانت المباني الخشبية هي السائدة، فتم صنع قنابل حارقة تم اختبارها مسبقاً من خلال تدريب على تدمير قرية يابانية نموذجية بنيت خصيصاً لهذه الغاية في ولاية يوتا.
وخطط ضرب اليابان بقنابل حارقة كانت قد أعدت حتى قبل الحرب العالمية الثانية بوقت طويل. ففي العشرينات، قال الجنرال الأمريكي بيلي ميتشل، إن مدن اليابان الخشبية يمكن أن تكون «أعظم أهداف لضربات جوية شهدها العالم يوماً».
ومن جهته، قاد الجنرال كورتيس لوماي (1906 1990) حملة القصف الأمريكية ضد كوريا الشمالية خلال الحرب الكورية في مطلع الخمسينات، وادعى مرة أن تلك الحملة قتلت حوالي 20% من السكان المدنيين في ذلك البلد.
والرجل الذي يصفه كثيرون بأنه مهندس حرب فيتنام، روبيرت ماكنمارا، كان قد عمل تحت قيادة الجنرال لوماي خلال حملات القصف الجوي بقنابل حارقة في الحرب العالمية الثانية، وعندما أصبح وزيراً للدفاع (في الستينات) أمر باستخدام قنابل النابالم (الحارقة) في فيتنام – وفي كثير من الحالات ضد أهداف مدنية.
وبراعة أمريكا في تطوير القصف الناري خلال الحرب العالمية الثانية بلغت ذروتها مع تطوير القنبلة الذرية – ما يعني أنه أصبح بإمكان طائرة واحدة أن تؤدي مهمات 300 طائرة حربية. وقد ألقيت هذه القنبلة مرتين، على مدينتي هيروشيما وناجازاكي. ويقدر أن 90 147 ألف شخص قتلوا في هيروشيما و39 80 ألفاً في ناجازاكي.
وقد اقتنع معظم الأمريكيين بحجة حكومتهم القائلة بأن إلقاء القنبلتين الذريتين إنما أنقذ في الحقيقة مئات آلاف الأرواح التي كانت ستقتل لو طال أمد الحرب بالأسلحة التقليدية.
وهذا التفكير لا يزال سائداً اليوم بدعوى أنه يتعين التخلي عن المبادئ الأخلاقية في زمن السلم – ولو على مضض – من أجل تحقيق أهداف الحرب. أي أن هذا «واقع حياة محتم» – حسب تعبير الوزير ماتيس.
وهكذا، إذا كنتم تريدون فهم التخلي عن المبادئ الأخلاقية وتعمد استهداف المدنيين في ميادين القتال الأمريكية في الشرق الأوسط، فعليكم مراجعة التاريخ. ونحن الأمريكيين اليوم لا نحب التفكير في أننا أناس نقتل أبرياء عمداً، ولكننا نشعر بسرور إذا تحدثنا عن تاريخ مضى. واليوم، نحن نقول إن «الحوادث الخطأ» تحدث في الحرب. ولكن التاريخ يفرض علينا أن نكون مشككين كلما تردد مثل هذا الادعاء.

* كاتب أمريكي عمل سابقاً في السلك الدبلوماسي
– موقع «ذا أمريكان كونسرفاتيف»

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى