قضايا ودراسات

المشرَّدون داخلياً يستحقون الاهتمام

جيف كريسب*

حظيت قضية اللاجئين والمهاجرين باهتمام عالمي كبير. ولعلّ هذا الاهتمام، كان في بعض الأحيان على حساب قضية المشرَّدين داخلياً، والمحاصرين في مناطق الصراع.
الاهتمام بمحنة الناس الذين سعَوا إلى ملاذٍ آمنٍ في دول أخرى، رافقه إهمال لأولئك الذين لا يقدرون على مغادرة بلدانهم، والذين لا تستطيع وكالات المعونة الوصول إليهم.
إن البروز الحالي لقضية اللاجئين في جميع أنحاء العالم، أمر مفهوم. وتدفقات اللاجئين مرئية بوضوح، وخصوصاً عندما تتضمن أعداداً كبيرة من الناس الذين يخاطرون بحياتهم، ويعبرون الحدود دون إذن، ويتجمعون في مستوطنات مؤقتة مزرية. ويثير وصولهم قضايا شائكة مرتبطة بالسيادة الوطنية، وأمن الدولة والتماسك الاجتماعي.
وعلى الرغم من أن هذه قضايا مهمة وملحّة، فإن اهتمام المجتمع الدولي الشديد بمشكلة اللاجئين صرَف الانتباه عن أن هنالك مجموعات أخرى من الناس الضعفاء في جميع أنحاء العالم، ممن هم في حاجة مساوية، إن لم تكن أكبر، إلى حماية حقوق الإنسان والمساعدة الإنسانية- وأولئك هم المشردون داخلياً.
ووفقاً لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، هنالك نحو 65 مليون شخص حول العالم تمّ تشريدهم بفعل الصراعات المسلحة أو انتهاكات حقوق الإنسان. وما يقرب من 21 مليوناً منهم لاجئون- أي أشخاص عبروا حدوداً دولية طلباً للأمان في دولة أخرى. في حين أن ضِعف ذلك العدد، أي نحو 42 مليوناً، أشخاصٌ مشردون داخلياً، وهم الذين جرى اقتلاعهم أيضاً من ديارهم بفعل العنف أو الاضطهاد، ولكنهم باقون ضمن حدود دولهم.
في تسعينات القرن الماضي، والعقد الأول من القرن الحالي، كان وضع النازحين داخلياً موضوع اهتمام متزايد، في إطار اتجاهٍ مرتبط بانتهاء الحرب الباردة، وإجماعٍ متنامٍ على أن الشؤون الداخلية في الدول، لم تعُد خارج نطاق التدقيق الدولي، بالإضافة إلى ظهور مبدأيْ «التدخل الإنساني» و«المسؤولية عن الحماية».
واستناداً إلى مجموعة متزايدة من البحوث، والتحليل القانوني، والمناصرة من جانب المنظمات غير الحكومية، أنشئت مجموعة من المبادئ الإرشادية بشأن التشرد الداخلي، تحت إشراف الأمم المتحدة، ترمي إلى تشكيل الطريقة التي تجري بها معاملة المشردين داخلياً من قِبل الدول، والأطراف غير الدول. وقد عيّن الأمين العام للأمم المتحدة، ممثلاً خاصّاً للمشردين داخلياً، بينما وضع الاتحاد الإفريقي اتفاقية كمبالا، وهي معاهدة تنظم توفير الحماية والمساعدة للمشردين داخلياً في إفريقيا.
وعلى مدى العقد المنصرم انعكس هذا الاتجاه الإيجابي. فقد أغلِق مشروع معهد بروكينجز المتنفذ، المعني بالتشرد الداخلي، بسبب غياب الدعم المالي والسياسي. وتمّ تخفيض منصب الممثل الخاص، إلى رتبة مقرِّر خاص. ولم يتضمن إعلان نيويورك المكون من 25 صفحة، والذي جرت صياغته في قمة الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام الماضي، سوى فقرة واحدة قصيرة، حول المشردين داخلياً، قائمة على «احتمال أنَّ مثل أولئك الأشخاص قد يَنشُدون الحماية والمساعدة في دول أخرى بصفة لاجئين أو مهاجرين».
وكما توحي هذه التطورات، في عصر باتت فيه التحركات عبر الحدود كبيرة جدّاً من حيث النطاق والحجم، وفي الوقت الذي أصبحت فيه المصالح الوطنية لها الأسبقية على المبادئ العالمية، فإن الدول لا تثير قلقَها كثيراً الفكرةُ التي تقول إن المقتلعين من ديارهم، يجب أن يبقوا داخل بلدانهم- حتى لو كانوا معرضين لانتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان ومحرومين من المساعدة على نحو خطير- كما في سوريا، وجنوب السودان، وجمهورية إفريقيا الوسطى واليمن.
وفي واقع الأمر، تشير تجربة مثل تلك الدول إلى أن أشدّ الناس ضعفاً وتعرّضاً للخطر، ليسوا مَن هربوا إلى دولة أخرى، أو مَن شُرِّدوا داخل بلدانهم. بل إن الناس الأشدّ عرضة للخطر هم أفراد المجتمعات التي لا تستطيع التحرك، سواء لأنهم عالقون في مراكز مدينية تخضع لحصار منظم، أو لأنهم محصورون خلف أو بين الخطوط الأمامية للجماعات المسلحة، في مناطق لا تستطيع المنظمات الإنسانية أن تعمل فيها.
وفي حين أن جهود المجتمع الدولي الأخيرة لمعالجة قضية اللاجئين، جديرة بالترحيب، فإن تلك المبادرات يجب أن لا تصبح عذراً للتقصير عن العمل لصالح المشردين داخلياً، والمحاصَرين داخل مناطق الصراع. وكثيراً ما تكون حاجتهم إلى الحماية أكبر من قضية اللاجئين، ويجب من ثمَّ منحهم أولوية أعلى بكثير ممّا هي عليه الحال في الوقت الحاضر.

*زميل مشارك في برنامج القانون الدولي في المعهد الملكي للشؤون الدولية (البريطاني). موقع: «تشاتام هاوس»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى