المصالحة الوعرة والتهدئة السالكة
حافظ البرغوثي
انتهت المشاورات حول المصالحة الفلسطينية التي أجرتها المخابرات المصرية مع وفدين من حركتي فتح وحماس على حدة، ويبدو أن هناك جواً من التشاؤم بشأن نجاح هذه الجهود. وكان وفد المخابرات المصرية الذي أشرف على وقف إطلاق النار في الجولة الأخيرة من التراشق الصاروخي بين الاحتلال وفصائل غزة، قد وجّه انتقادات مباشرة للجانب «الإسرائيلي»، لأنه خرق تفاهم الهدوء بإرساله وحدة عسكرية خاصة للعمل داخل غزة، وهدّد بوقف الوساطة، لكن «الإسرائيليين» لاحظوا لاحقاً وجود الوفد المصري الأمني مع قيادة حماس في احتفال جرى في خان يونس بعد فشل العملية «الإسرائيلية» والعودة للهدوء، ووجّهوا نقداً في الإعلام للوفد المصري، لأنه استمع إلى خطاب السنوار الذي هدد فيه بقصف مدن أبعد، مستغربين وجوده في احتفال كهذا.
هناك تياران داخل حماس، الأول واقعي يريد مصالحة وتهدئة معاً، لكن ضمن شروط خاصة، وهو موجود في غزة ومقتنع بضرورة توثيق العلاقة مع مصر لوجود مصالح مشتركة، والآخر موجود في الخارج وله امتداد في غزة ومرتبط أيديولوجياً وعضوياً مع جماعة الإخوان المسلمين وقطر وتركيا، ويسمسر لدولة غزة أولاً، وهو يعارض التقارب مع مصر سراً وأحياناً جهاراً، وهذا يعمل تحت مظلة أمريكية يوفرها جاريد كوشنير وتابعه جرينبلات والسفير القطري محمد العمادي، لتنفيذ جزء من صفقة القرن الذي حدد الدور القطري بالتمويل.
عموماً ليس هناك ما يمكن أن يفتح الطريق نحو تنفيذ اتفاق المصالحة، فحركة حماس عادت للمطالبة بتنفيذ اتفاق سنة 2011 وترفض العودة إلى اتفاق 2017 المتفق على تطبيقه في اتفاق القاهرة في أكتوبر العام الماضي. وكان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبدى في لقائه الأخير مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في شرم الشيخ استعداده للمضي قدماً في تنفيذ اتفاق القاهرة العام الماضي، ولكن بشرط أن تلتزم حماس خطياً بذلك تحت إشراف مصري. فاتفاق العام الماضي ينص على تشكيل خمس لجان لحل القضايا العالقة، لتفعيل منظمة التحرير وانتخاب مجلس وطني وتشكيل حكومة توافق وطني مؤقتة، تمهد للانتخابات التشريعية والرئاسية، وتشرف على إعادة إعمار غزة وتوحيد الأجهزة الأمنية، وتتولى صرف الرواتب الخ.
والفرق بين اتفاق 2011 الذي أشرفت عليه مصر أيضاً، واتفاق 2017، أن الاتفاق الأول اشترط التوافق بين حماس وفتح لتنفيذ كل بند من بنوده، وله ملحق يبيّن نقاط الخلاف أو وجهتي نظر الحركتين، ما أدى إلى جمود في تنفيذه، لاختلاف وجهات النظر حول بنوده، فأي اعتراض من أحد الطرفين يوقف تنفيذه. لكن اتفاق العام الماضي وضع آلية تنفيذ ملزمة للطرفين مجدولة زمنياً، ووقّعه كل من صالح العاروري نائب رئيس حركة حماس وعزام الأحمد في القاهرة، وينص على الانتهاء من إجراءات تمكين حكومة الوفاق الوطني من ممارسة مهامها بشكل كامل، والقيام بمسؤولياتها في إدارة القطاع كما الضفة الغربية وفق النظام والقانون بحد أقصى 1/12/2017. والانتهاء من تسلم المعابر وحل قضية موظفي حماس من قبل اللجنة القانونية الإدارية، وتوجّه القيادات الأمنية العاملة في الضفة إلى غزة لتوحيد الأجهزة الأمنية الخ..كل هذا في فترة لا تتعدى شهر فبراير 2018. لكن تسلم الصلاحيات كان اسمياً لالتقاط الصور فقط، فالجهاز الإداري القائم ظل تابعاً لحماس وكل الأجهزة الأخرى كذلك، وحتى الحرس الرئاسي الذي تسلم المعابر لم يستطع ممارسة عمله لوجود قوات حماس. وجاءت محاولة تفجير الموكب الحكومي على مشارف غزة لتوقف أي تنفيذ.
مشاورات القاهرة الأخيرة لم تقرّب بين الموقفين، حيث إن حماس تطالب بالعودة إلى اتفاق 2011 وبمجلس وطني جديد وإعادة الرواتب إلى ما كانت عليه وتشكيل حكومة وحدة وطنية فصائلية، وليس حكومة وفاق. بينما تمسّكت فتح باتفاق العام الماضي وتمكين حكومة الوفاق من صلاحياتها في غزة والإعداد لانتخابات رئاسية وتشريعية في فترة ما بين ثلاثة إلى ستة أشهر.
وجهة نظر حماس حول المصالحة تنسحب على موقفها من التهدئة أيضاً، حيث تقول إن التهدئة السابقة التي وقّعتها منظمة التحرير ورعتها مصر اختلفت ظروفها، ويجب الذهاب إلى اتفاق تهدئة جديد مع «إسرائيل» توافق عليه حماس، بما يحمله ذلك من مغزى الاعتراف بها كطرف سياسي إلى جانب منظمة التحرير، أي تكريس الازدواجية في التمثيل الفلسطيني، وهو ما يعمل «الإسرائيليون» أيضاً من أجله. فما الخطوة المصرية التالية ؟ وهل ستحسم مصر موقفها وتعيد فرض تنفيذ اتفاق 2017 بإشراف منها على الأرض ؟ إذ يبدو أن التفاهم مع «إسرائيل» من قبل فتح أو حماس بات أقل صعوبة من التفاهم بينهما.
hafezbargo@hotmail.com