قضايا ودراسات

المعرفة والحاجة للتفكير

شيماء المرزوقي

عندما تقرأ كتاباً، أي كتاب، وعندما تستمع لمحاضرة، أو تشاهد فيلماً علمياً على موقع «يوتيوب»، أو غيرها من وسائل وتقنيات تقديم المعلومات المختلفة، فأنت تقوم بعمل استهلاكي للمعرفة، لكنه استهلاك إيجابي، ورغم هذه الإيجابية، فإنه يخشى أن تتحول إلى السلبية، وذلك عن طريق الاعتياد على الحصول على المعلومات من دون عناء أو مشقة، وهو ما يفرز الاستكانة والخمول الذهني وعدم الحماس للبحث والتقصي، وهنا تنمو حالة من رهن العقل وعدم التفكير والاكتفاء بالحصول على ما تحتاج إليه من معلومات ومعارف وفق قوالب جاهزة يقدمها الآخرون، وتنمو وتكبر هذه الحالة لدرجة الاقتناع المباشر والتام بكل ما تشاهده وتسمعه.
وهنا تكمن الخطورة في استهلاك المعرفة دون أي تمحيص أو تدقيق ودراسة وبحث، ويظهر لنا حيوية إنتاج المعرفة وتطويرها وتعلمها، وإضافة الجوانب الشخصية الذاتية إليها، أو حتى إعادة قولبتها وإنتاجها بشكل مختلف ولو قليلاً عما تم تقديمه لك، وفي هذه العملية فضلاً عما يسمى بالإنتاج أو إعادة الإنتاج، فإنها تحتوي خصلة أخرى هامة تتعلق بالتطوير وعدم التوقف عند ما تم تلقيه، وكما قال المثل الصيني: «المعرفة التي لا تنميها كل يوم تتضاءل يوماً بعد يوم».
ومن أدوات التنمية معاودة التفكير والإنتاج بمفهوم وطريقة تتعلق بك ووفق مواصفاتك، وعلى النطاق الآخر لو تلقيت المعلومات وتعاملت معها كمنفذ وبشكل آلي، فإنها ودون شك ستوجه رسالة لعقلك بأن يتوقف عن التفكير، لأن هناك آخرين يفكرون بدلاً عنه، ويقدمون ما يحتاج إليه جاهزاً، وهذه الحالة رغم الحديث عنها نظرياً إلا أن هناك كثيرين جداً يعيشون في أتونها دون انتباه ويتعاطون معها دون دراية، ولو قدر وتحرروا منها فقد يكونون أكثر إنتاجية، وعملهم أكثر جودة ومهارة، هذه الفئة ببساطة متناهية ترتكب فعلاً خاطئاً بحق عملية التفكير وقدراتهم الذهنية الكبيرة، يقرؤون نعم، يتزودون من المعارف المتنوعة بالمعلومات نعم، لكنهم لا يتعبون الذهن في التفكير والتحليل فيما يتلقونه من هذا السيل المعلوماتي، لذا هم يشعرون بأنهم على درجة من العلم والمعرفة، والحقيقة أنهم فقدوا أو يكادون يفقدون معرفة كيفية التفكير.. وكما قال حكيم الصين الشهير كونفوشيوس: «لا يمكن للمرء أن يحصل على المعرفة إلا بعد أن يتعلم كيف يفكر».

Shaima.author@hotmail.com
www.shaimaalmarzooqi.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى