المقتولون حُبّاً!
خيري منصور
قد تكون حكاية الدب الذي أراد إنقاذ صاحبه من ذبابة تحوم حول أنفه هي الأشهر في سياق الحكايات عن الصديق الجاهل والعدو العاقل، لكن هناك وبمختلف الثقافات حكايات كثيرة من هذا الطراز، وخلاصتها أن النوايا لا تكفي حتى لو كانت طيبة، وأن الطريق إلى الجحيم قد يكون معبداً بالنوايا الحسنة.
تتكرر حكاية الدب في حياتنا بلا انقطاع، والقول من الحب ما قتل يشمل كائنات أخرى غير الدببة، ففي الثقافة هناك من يظن أنه يدافع عن صاحبه ضد أي نقد يوجه إلى أعماله، وهو في الحقيقة يقتله معنوياً، لأن الصديق هو من صَدَقَكَ وليس من صَدَّقَكَ!
ونصرة الأخ ظالماً أو مظلوماً فهمت لبعض الوقت بشكل خاطئ، لأن نصرة الظالم ليست من المواعظ الرسولية إلا بالمعنى الدقيق الذي جاءت لأجله، وهو إنقاذ الظالم من نفسه أولاً لأن النفس أمّارة بالسوء.
وفي السياسة أيضاً كما في الميديا، هناك دببة حسنة النوايا وتريد الدفاع عن أصحابها ضد الذباب أو أي شيء آخر يزعج منامهم، لكن النتائج تكون عكسية، وما لم تقله حكاية الدب هو أن الذبابة نجت من الحجر الذي رمي عليها وفرت، أما الضحية التي أصابها الحجر وشج رأسها فهي الإنسان صاحب الدب.
وهناك في عالمنا قضايا عادلة لم يقيض لها من المحامين الماهرين من يضيئون الجوانب الغامضة منها، بعكس قضايا أخرى قد لا تكون عادلة على الإطلاق، لكنها تحظى بمحامين بارعين يقلبون الحقائق ويخدعون الناس ولو لبعض الوقت!
وقد ثبت ميدانياً أن من تسلحوا بالوعي، وكانت لديهم المناعة ضد التسلل إلى قلوبهم بالنفاق، هم الذين ضحكوا أخيراً، لأنهم نجوا من محترفي الدفاع عن الأخطاء والضليعين في فقه الاسترضاء وتدليك العواطف.
بالطبع لم يكن الدب الذي حاول الدفاع عن صاحبه مجرماً، لكنه في النهاية قاتل، ولا قيمة لنواياه لأنها ممنوعة من الصرف.
إن أسوأ ما ألحقته الدببة ذات النوايا الطيبة بثقافتنا وأنماط سلوكنا، هو اختيار الأساليب الخاطئة بل المضادة للتعبير عن العاطفة.
أما تجليات هذه الحكاية فهي ملقاة على سطح الواقع ويمكن رؤيتها بالعين المجردة.