قضايا ودراسات

المقدسيون

خيري منصور

القدس عاصمة الأرض، وهي أيضاً سرتها وسريرتها والانتساب إليها ليس حكراً على من ولدوا فيها، فالروح أيضاً لها مسقط كالرأس.
لكن المقدسيين بالمعنى التاريخي والجغرافي الدقيق هم حراس تلك المدينة والساهرون على ما تبقى منها وهو كثير، لأن كل حبة تراب فيها ممهورة بتواقيع رسولية، وشهدت عبر تاريخها ما لم تشهده مدينة من السلم والدم، والأفراح والأتراح لأنها أشبه بالكبسولة التي تحتشد في داخلها كل مضادات النسيان.
المقدسيون في خطر، تلك عبارة تتردد على مدار الساعة، وما قرع حتى الآن من أجراس تنذر باقتلاعهم لم يصل رنينه الصاخب إلى آذان صماء في العالم كله.
وإذا احتكمنا للأرقام والإحصاءات التي تتحدث عن قضم الأراضي والتمدد الاستيطاني الأخطبوطي، وتضييق الخناق على من ولدوا في القدس وحملوا ميراثها لقرون طويلة فهي أرقام كارثية، وقابلة للمزيد، لأن شهوة التمدد الاستيطاني لا تجد ما يلجمها بدءًا من المنظمات الدولية.
إن عدد المقدسيين الآن يطرح سؤال الوجود الجذري للعرب ومن حق الذين سهروا على تلك الأمانة الرسولية علينا جميعاً أن نرد لهم بعض الدين، ومتطلبات صمودهم قد لا تكون باهظة التكلفة إذا كان المقصود إسنادهم بالمال والإعمار، وهناك معالم تاريخية في القدس مهددة بما هو أبعد من التهويد، وهو الإزالة بالمعنى الإبادي، كي تكتمل الجريمة.
فالمقصود بذلك حذف كل القرائن المكانية ذات الصلة بالتاريخ العربي وهناك مرحلة لم يتنبه إليها الكثيرون سبقت التهويد ومهدت له هي العبرنة بالمعنى اللغوي وما له من دلالات، خصوصاً ما يتعلق بأسماء الأمكنة وتواريخها.
المقدسيون توأم مدينتهم الخالدة وهم بالفعل في خطر!

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى