غير مصنفة

«النار والغضب» يشعل البيت الأبيض

متابعة وإعداد: وائل بدر الدين

«النار والغضب» داخل بيت ترامب الأبيض، كتاب أثار جدلاً كبيراً قبل صدوره، أول أمس، لمؤلفه مايكل وولف؛ حيث إنها المرة الأولى، التي ترمي فيها إدارة أمريكية بكل ثقلها؛ لإيقاف صدور كتاب؛ بسبب أنه يفشي أسراراً وتفاصيل تنشر للمرة الأولى عما يحدث في أروقة البيت الأبيض تحت إدارة ترامب، ويعرض بالتفصيل كل ما جرى منذ الحملة الانتخابية ويوم الانتخابات والتنصيب؛ من خلال استعانته بشهادات أناس كانوا من المقربين جداً للرئيس المثير للجدل منذ بداية نيته الترشح وحتى فوزه بالمنصب، وما تلا ذلك من أحداث. ويبدو أن الكتاب قد أشعل نيران غضب داخل البيت الأبيض، الذي دفع ترامب إلى القول إن الكتاب مجرد أكاذيب، خصوصاًَ بعد أن تأججت موجة العداء بين ترامب من جهة ومستشاريه ومعاونيه السابقين من جهة أخرى، وتجلت آخر فصول تلك المعركة في الحرب الكلامية، التي نشبت مؤخراً بين كل من ترامب وكبير مستشاريه السابق ستيف بانون، الذي استعان به المؤلف؛ للكشف عن كثير مما كتبه عن أسرار البيت الأبيض، وطريقة تعاطي الرئيس مع الأحداث اليومية؛ حيث إن المستشار السابق إلى جانب مسؤولين كبار آخرين، أكدوا أن جميع من يحيطون بترامب يعدونه شخصاً غير مؤهل للمنصب، وأن شخصيته تشابه في طبيعتها شخصيات الأطفال.
ساهم ترامب بشكل كبير في الشهرة الكبيرة، التي اكتسبها الكتاب قبل صدوره؛ من خلال الهجوم العنيف، الذي أطلقه على المؤلف، وعلى من استعان بهم. وقدم وولف شكره لترامب على «حملة التسويق»، التي قام بها لكتابه، مبدياً امتنانه الساخر للرئيس بالقول إنه سيجني ثروة كبيرة؛ بسبب التسويق، الذي قام به ترامب للكتاب.
وكان الشد والجذب في الأيام الأخيرة قبل صدور الكتاب مثيراً جداً، وتباينت فيه الأقاويل؛ حيث أشار وولف في مقابلات تلفزيونية عدة إلى أنه قابل الرئيس ترامب شخصياً، وتحدث إليه بما لا يقل عن 3 ساعات إبان حملته الانتخابية، وبعدما أصبح رئيساً، بينما أنكر ترامب تلك المزاعم، وأكد أنه لم يلتقِ وولف قط، علاوة على أنه لم يكن ليسمح له بدخول البيت الأبيض أبداً.
وفي خضم الجدل الكبير، الذي يدور حول الكتاب وإمكانية تأثيره على مجريات الأحداث في التحقيقات الجارية حالياً بخصوص التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، نستعرض جزءاً مما جاء في الكتاب من معلومات.
قال مايكل وولف في مقدمته، إن السبب الذي دفعه إلى تأليف هذا الكتاب هو دخول الولايات المتحدة منذ العشرين من يناير/‏كانون الثاني الماضي – يوم تنصيب ترامب- قلب أكبر عاصفة سياسية استثنائية منذ فضيحة «ووترجيت» الشهيرة، مشيراً إلى أنه أراد بكتابه هذا عرض كل ما يدور في أروقة البيت الأبيض، وطريقة تعامل الرئيس مع الأحداث اليومية؛ بسرد حديث يستند إلى الحقائق، وبعيون أشخاص كانوا من المقربين جداً لترامب إبان حملته الانتخابية وحتى وصوله إلى المنصب الأقوى في الولايات المتحدة والعالم، وما تلا ذلك من أحداث. وقد كان التصور الأصلي للكتاب وفقاً للمؤلف تحليلاً لعمل الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب في ال 100 يوم الأولى، التي تعد مهمة جداً بالنسبة للمراقبين؛ لكن تدفق الأحداث بطريقة غير طبيعية وعدم توقفها لأكثر من 200 يوم منذ تولي ترامب السلطة، دفع المؤلف للكتابة باستفاضة أكثر، خصوصاً بعد أن أُزيح الستار عن قيام ترامب بتعيين الجنرال المتقاعد جون كيلي رئيساً لموظفي البيت الأبيض أواخر يوليو/‏تموز الماضي، وخروج كبير المستشارين ستيف بانون بطريقة أثارت جدلاً كبيراً؛ بعد 3 أسابيع من تعيين كيلي.
وقال المؤلف، إن الأحداث التي ذكرها في كتابه، استندت إلى مناقشات وحوارات مع الرئيس ترامب وغالبية كبار موظفيه لمدة 18 شهراً، مشيراً إلى أن بعضهم تحدث إليه عشرات المرات. وذكر وولف أن أول لقاء أجراه مع ترامب كان قبيل أن يتمكن من تخيل أن يصبح رئيساً يوماً ما بمنزل الأخير بمنطقة بيفرلي هيلز الشهيرة؛ حيث ذكر أن ترامب كان يتلذذ بالآيسكريم، حينما ناقشا الكثير من المواضيع، مضيفاً أن مساعديه هوب هيكس وكوري ليفاندوفسكي وجاريد كوشنر كانوا يتواجدون حينها، واستمرت تلك المحادثات مع فريق ترامب الانتخابي بمؤتمر الحزب الجمهوري بكليفلاند، وهو الوقت الذي لم تظهر فيه أي بوادر عن احتمالية فوز ترامب بالرئاسة.
وذكر المؤلف في مقدمة كتابه، أنه وبعد العشرين من يناير/‏كانون الثاني 2017، قام بإجراء أكثر من 200 مقابلة مع مسؤولين في الإدارة، وعلى الرغم من أن الإعلام الأمريكي واجه هجوماً مكثفاً من قبل الإدارة خلال الفترة الأولى وحتى الآن، إلا أنها كانت أكثر انفتاحية على وسائل الإعلام، مقارنة بالإدارات السابقة على المدى المنظور وفقاً للكاتب؛ إذ أكد الكاتب أن سياسة ترامب تجاه وسائل الإعلام كانت تميل في بداياتها إلى الانفتاح؛ لكن سرعان ما تغير الوضع؛ بعد أن ظهر التخبط الواضح في أروقة البيت الأبيض. وفي الحديث عن نفسه، قال وولف إنه وبعد أن تغيرت الأوضاع في التعاطي مع وسائل الإعلام الأمريكية من جانب البيت الأبيض، رغم أنه لم يكن بمقدورهم طرد أحد الإعلاميين، فإنه تحول إلى شخص متطفل أكثر من كونه ضيفاً مدعواً، خصوصاً وأنه لم يتعهد مطلقاً بكتابة أو عدم الكتابة عن أي شيء يريده.
وفي الحديث عن الروايات التي ذكرها، قال المؤلف إن العديد من القصص، التي تحكي ما حدث في البيت الأبيض تناقض بعضها، مؤكداً أنه استند في ذلك إلى حيثيات ومصادر موثوقة، وفي بعض الأحيان القصص التي تبدو أكثر منطقية بالنظر إلى موثوقية مصادرها لديه. وأشار وولف، إلى أن بعض مصادره، الذين تحدثوا إليه قدموا له خلفيات عميقة لما يجري في البيت الأبيض، وقام هو بإخفاء شخصياتهم ولم يذكرها بالاسم بناء على طلبهم. كما استعان المؤلف ببعض المقابلات غير الرسمية، الأمر الذي سمح لبعض المصادر، التي استعان بها في تأليف الكتاب بكشف الكثير من الأسرار والمعلومات بدون القلق من إمكانية الكشف عن هوياتهم. وأضاف أن بعض المصادر الأخرى تحدثت إليه واستوعبت تماماً أن المعلومات، التي أدلوا بها لن يتم نشرها أو الإعلان عنها إلا عند صدور الكتاب، فيما أدلى بعضهم بمعلوماتهم ولم يمانعوا تسجيلها وتوثيقها.
وقال الكاتب، إنه رأى أن يكتب أيضاً عن الصعوبات التي واجهته كصحفي في التعاطي مع إدارة ترامب، وكانت وفقاً للكاتب؛ بسبب عدم إقدام البيت الأبيض على الإعلان عن جميع ما يدور فيه كما جرت العادة، إضافة إلى افتقار مسؤولي الإدارة الكبار للخبرة في التعاطي مع وسائل الإعلام، وهو ما اضطره للاعتماد بشكل كبير على المعلومات بدون توثيق، إضافة إلى المواد ذات الخلفيات العميقة، التي تم تصنيفها لاحقاً وتوثيقها. واختتم وولف مقدمة كتابه بالقول إن كل من اتصل بهم؛ للحصول على المعلومات خصوصاً كبار الموظفين في البيت الأبيض والمراقبين، قدموا له الكثير من المعلومات القيّمة، التي ساعدت في تسليط الضوء على الطبيعة المميزة للحياة داخل بيت ترامب الأبيض، مشيراً إلى أن كتابه عبارة عن جهد جماعي ساهم فيه مئات الناس، خصوصاً من المقربين لترامب داخل البيت الأبيض، الذين يعدون أفضل من يمكنهم وصف طبيعة العمل مع شخصية مثل الرئيس ترامب.

شذرات من فصول الكتاب
سرد الكتاب، العديد من التفاصيل الخاصة بشخصية الرئيس ترامب، والتصرفات التي يقوم بها، والمشاعر التي كانت تعتريه إبان حملته الانتخابية وبعد إعلان فوزه وتفاصيل يوم التنصيب؛ حيث ذكر وولف في مؤلفه، أن الفوز في الانتخابات شكل مفاجأة لترامب والفريق المحيط به، الذين لم يتوقعوا أبداً الفوز بالمنصب، وذكر وولف أن ترامب شعر بتوتر وارتباك شديدين بعد الإعلان عن النتيجة، تعبيراً عن صدمته من النتائج.
إضافة إلى أنه وصف الرئيس خلال مراسم أداء اليمين الدستورية بأنه كان عصبياً جداً وغاضباً، إلى المدى الذي قاده إلى افتعال مشاجرة مع زوجته ميلانيا، التي كانت على وشك البكاء، وهو الأمر الذي ربما يفسر محاولتها رسم ابتسامة مصطنعة خلال ظهورها معه، ونقل وولف في كتابه عن مقربين من ترامب، أن ذلك التوتر والغضب ربما كان انعكاساً لشعوره بالاستخفاف والدونية ممن حوله.
وقال المؤلف في أحد فصول الكتاب، إن ترامب كان يراوده شعور بالتوجس والرهبة من البيت الأبيض، بعدما فرض قوانينه الخاصة في حياته الشخصية كملياردير يقوم بكل ما يحلو له من تصرفات، وكان الهاجس الأكبر لترامب وفقاً للكاتب، الكيفية التي سيتمكن من خلالها من تكييف نفسه على أنظمة وبروتوكولات البيت الأبيض. كما سلط المؤلف الضوء في كتابه على ما وصفه ستيف بانون بالخيانة، وهي القضية التي تتخلص في الاجتماع، الذي انعقد بين ترامب جونيور نجل الرئيس مع شخصيات روسية إبان الحملة الانتخابية، التي عرض فيها الروس تزويد فريق حملة ترامب بمعلومات قيمة؛ يمكنها تقليص فرص فوز المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، علاوة على المعلومات، التي حصل عليها وولف من مايكل فلين المستشار السابق للرئيس، الذي وصف علاقته مع الروس بأنها مشكلة، بيد أن من نسب إليه وولف المعلومات قال إن علاقة فريق ترامب بالروس خصوصاً مايكل فلين لم تكن لتطغى على الأحداث لو فازت هيلاري بالرئاسة.
ونسب الكاتب لستيف بانون قوله إن إيفانكا ابنة ترامب دوماً ما تصرح بتطلعها لمنصب الرئاسة مستقبلاً؛ حيث قال إنها اتفقت مع زوجها جاريد كوشنر على تحقيق تلك الغاية، إضافة إلى أنه كانت هنالك عداوة غير ظاهرة بين كل من إيفانكا وزوجها كوشنر من جهة، وبانون من جهة أخرى، بيد أن الصلات العائلية مكنتهما من التغلب على بانون وطرده من البيت الأبيض.
وعن علاقاته بالشخصيات العامة في الولايات المتحدة، ذكر المؤلف أن روبرت مردوخ إمبراطور الإعلام الأمريكي، وصف ترامب بعد اجتماع الأخير مع مديرين تنفيذيين لشركات تكنولوجية كبرى بخصوص موضوع الهجرة، بأنه شخص أحمق؛ حيث أبدى مردوخ استغرابه من توجهات ترامب المعارضة للهجرة ووضعه كرجل أعمال يعتمد في تشغيل شركاته على العمالة المهاجرة. وعلى الرغم من أن ترامب كان يناصب العداء لشبكة «فوكس» الأمريكية، التي يمتلكها مردوخ خلال حملته الانتخابية، إلا أنه وفقاً للمؤلف تغيرت الأوضاع، وأصبح ترامب من المعجبين بها؛ بعد أن تولى منصبه.
وتعد معلومات الكتاب، التي ركزت على عدم كفاءة فريق عمل ترامب في البيت الأبيض وافتقاره للخبرة، أبرز الجوانب التي ركزت عليها وسائل الإعلام الأمريكية؛ حيث جاء في الكتاب أن مسؤولي البيت الأبيض لا يعرفون حتى الأهداف، التي يجب عليهم تحقيقها؛ حيث نسب الكاتب لنائبة كبير موظفي البيت الأبيض قولها إنها توجهت بسؤال مباشر لكوشنر حول أهداف الإدارة وأولوياتها، ولم تتمكن من الحصول على أي إجابة، وأضاف أحد المصادر، التي استعان بها وولف إلى أن الإدارة وجدت نفسها في كومة من المسائل، التي وعدت باتخاذ إجراءات حيالها إبان الحملة الانتخابية، إلا أنها لم تتمكن من ترتيب أولوياتها بناء على ذلك، وهي المسائل التي تضمنت برنامج «أوباما كير»، الذي عبر ترامب مراراً وتكراراً عن معارضته له، إضافة إلى موضوع الاتفاقات التجارية والضرائب وغيرها.

ترامب: أنا عبقري وراجح العقل جداً

قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في سلسلة تغريدات على تويتر، «إنه راجح العقل ومتّزن بل وعبقري»، وذلك رداً على التشكيك في أهليته للرئاسة التي تضمنها كتاب «نار وغضب» الذي صدر الجمعة.
وكتب ترامب على تويتر، أمس السبت: «في الواقع أكبر نعمتين في حياتي: رجاحة العقل وشدة الذكاء». وأضاف: «من رجل أعمال ناجح جداً أصبحت نجماً تلفزيونياً لامعاً، ثم رئيساً للولايات المتحدة (من محاولتي الأولى). أعتقد أن هذا يؤهل المرء ليس أن يكون ذكياً، بل يصبح عبقرياً.. راجح العقل جداً». (أ.ف.ب)


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى