قضايا ودراسات

الهند توثق علاقاتها مع «إسرائيل»

روبيرت جنكينز *

ناريندرا مودي هو أول رئيس وزراء هندي يزور «إسرائيل»، والهدف هو توثيق العلاقات بين الطرفين، خصوصاً في مجال صفقات الأسلحة. ووصفت «إسرائيل» الزيارة بأنها «تاريخية».

تسعى الهند أكثر فأكثر إلى تطوير علاقاتها مع «إسرائيل»، ولكن ذلك يكلفها ثمناً.
والهند اعترفت ب «إسرائيل» في العام 1950، ولكن دعمها لمبدأ حق الفلسطينيين في تقرير المصير ورغبتها في الحفاظ على علاقات طيبة مع العالم العربي جعلاها تمتنع عن إقامة علاقات دبلوماسية مع «إسرائيل» حتى العام 1992، حين شكلت نهاية الحرب الباردة وتغير المشهد السياسي في الشرق الأوسط حافزاً قوياً للهند لكي تغير مسارها.
وعلى مدى ال 25 سنة الماضية، مارست الهند سياستها تجاه «إسرائيل» بهدوء وتكتم حرصاً على عدم إثارة حساسيات الفلسطينيين ومؤيديهم عبر العالم. ولكن هذه السياسة تغيرت مع تولي مودي رئاسة الوزارة؛ حيث فصلت حكومته علاقة الهند مع «إسرائيل» عن مسألة حق الفلسطينيين في تقرير المصير. وقد أعلن سفير الهند لدى «إسرائيل» مؤخراً أن بلاده «يمكنها التعامل مع كل من الفلسطينيين و«الإسرائيليين» بصورة منفصلة».
والهند تواصل تأييد حل الدولتين، وهي تقدم مساعدات للسلطة الفلسطينية، ولديها مقر دبلوماسي في رام الله، واستضافت الرئيس محمود عباس في نيودلهي. ولكن الهند لم تعد تصوّت تلقائياً ضد «إسرائيل» في الأمم المتحدة. وهي كثيراً ما تستقبل مسؤولين «إسرائيليين». والأخطر من ذلك هو أن مودي امتنع، في إعلان سياسي أصدره حديثاً، عن الإشارة إلى القدس الشرقية باعتبارها عاصمة للدولة الفلسطينية في المستقبل.
والعلاقات التجارية والاستثمارية بين الهند و«إسرائيل» تتنامى في مجالات الزراعة، والتكنولوجيا المعلوماتية، وقطاعات أخرى. ولكن التعاون العسكري والاستخباراتي هو الذي أصبح محرك العلاقة بين الطرفين، اللذين عقدا سلسلة من صفقات الأسلحة واتفاقيات التعاون الأمني والاستخباراتي. و«إسرائيل» أصبحت الآن ثاني مصدر أسلحة إلى الهند، في حين أن شركات أسلحة «إسرائيلية» أصبح لديها مشروعات مشتركة لإنتاج أسلحة خفيفة في الهند.
ولكن منتقدي هذا التقارب بين الهند و«إسرائيل» يشيرون إلى أن هذه العلاقة الوثيقة تلحق ضرراً بالقضية الفلسطينية. وهم يقولون إن التعامل مع «إسرائيل» وفلسطين كمسألتين منفصلتين يمكن أن يقوض جهود دول أوروبية وأخرى عبر العالم للضغط على «إسرائيل» لكي تدخل في مفاوضات سلام جادة. ووجه البعض انتقادات قاسية للهند، مثل الكاتب الهندي برابير بوركاياستا الذي رأى أن الهند (لا يمكنها أن تكون مستورداً رئيسياً للأسلحة «الإسرائيلية» وأن تدّعي في الوقت ذاته البراءة حين تتهم بالمساهمة في تمويل الاحتلال «الإسرائيلي» للضفة الغربية وغزة).
كما يقول منتقدون إن هذه العلاقة الوثيقة مع «إسرائيل» تكلف الهند ثمناً من حيث سمعتها في العالم النامي، الذي يعتبر تأييده حاسماً بالنسبة لسعي الهند للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي.
غير أن مؤيدي سياسة مودي تجاه «إسرائيل» في الهند يقللون من شأن هذه الانتقادات، ويعتبرون أن توثيق الهند لعلاقاتها مع «إسرائيل» ينسجم مع إعادة التوجه العام للسياسة الخارجية الهندية – من سياسة تعتمد مبادئ أخلاقية إلى سياسة ترتكز على المصالح.
ولكن تقارب الهند مع «إسرائيل» ينطوي على ثمن يمكن أن يقوض ديمقراطية الهند في الداخل ومركزها الدبلوماسي في الخارج.
وبموازاة ذلك، تبنّى مودي الحركة القومية الهندوسية في الهند وسعى طوال حياته السياسية لجعل الهند أمة هندوسية تكون فيها الهوية الدينية ركيزة المواطنية. وهذه الحركة القومية الهندوسية أصبحت قوية الآن إلى درجة أنها يمكن أن تقوض رؤية المهاتما غاندي وجواهر لال نهرو للهند كأمة متعددة الثقافات.
* بروفسور العلوم السياسية في جامعة نيويورك – موقع «ذا دبلومات»


Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى