اليمن..قفزة طويلة شرق البحر
حسن العديني
هل ترسّخ أفعال الحوثي في صنعاء الهيمنة الإيرانية على اليمن، أم أنها مجرد تطور في صراع يدرك العرب خطورته ويملكون أدوات مقاومته؟.
هل هي مفارقة أم أنه تزامن منطقي، أن تسجّل إيران هدفاً في مرمى السياسة العربية، وتسجّل «إسرائيل» هدفاً آخر في ذات الوقت ؟
أسئلة لا يكفيها حيز صغير أن الإجابة المختصرة، أنها ليست مصادفة بل هي تعبير عن اتفاق على الضحية واختلاف على المغانم. والمهم هنا أمر صنعاء، رغم أهمية مكانة القدس ورمزيتها التي تعلو في الضمير الإسلامي وفي الوجدان المسيحي، والتي تمثل قضية القضايا في صراع العرب مع المحتل، بالأمس والآن وفي كل حين، و ضياعها يعني ذبح الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته إلى أن تتغير موازين القوة في هذا العالم، ويأتي صلاح الدين آخر.
إذاً، فإن أمر اليمن يهمني في هذه اللحظة، لأن انتزاعها من قبضة إيران ممكنة، كما أن هزيمتها في هذا البلد يؤمّن فرصاً لدحر هذه الدولة العادية من عواصم عربية عانت وتعذبت. وكذلك لأن الحروب الطائفية التي أشعلتها أضعفت العالم العربي، غير إسهامها بالدور الأكبر في تشويه الإسلام وتقديمه عدواً للحياة، مناهضاً للحضارة. وقد فعلت هذا من خلال دعم التنظيمات الإرهابية، بدءاً من إيواء قادة تنظيم القاعدة حتى تأهيل وتدريب الميليشيا الحوثية التي قدمت صورةً نادرة المثال للوحشية. ولقد استغلت «إسرائيل» فزّاعة الإرهاب، وحرّضت العالم على العرب باعتبار هذا الدين نبتة عربية، كما اطمأنت الولايات المتحدة إلى ضعف العرب، وربما نالت موافقة بعضهم، فاتخذت قرارها بنقل سفارتها من «تل أبيب» إلى القدس.
وفي الأحوال كلها، فإن إيران فرضت على العرب أن يواجهوا عدوّين في وقت واحد، وإذا وجب التدقيق واعتبرنا الإرهاب ثالثهم، فإنها شريك في صنعه وتخليقه. إن النظام الإيراني جعل الأنظمة العربية تعرض عن «إسرائيل» وتلتفت إلى الشرق، متوجسة وخائفة دون أن تتنبه إلى أنها لعبة تجري في غفلة منها. وكان الخميني تعهّد بعد ثورته أن يصلي في القدس ويحرّر بيت لحم في تصريحات تستقطب مشاعر المسلمين والمسيحيين، بينما كان يعدّ لحربه على العراق. وبالأمس بعد القرار الأمريكي دعا رئيسهم الدول العربية إلى تجنيد الشباب لتحرير القدس، وهو يعلم أن الجنود لا ينقصونها إذا أرادت وقرّرت، وإنما كان إقحامها في الدعوة غطاء لتحريض تتولاه جماعته يدفع بالشباب اليمني إلى الالتحاق بميليشياته كي تخوض الحرب الداخلية المتطاولة.
لكن إلى أين تمضي هذه الحرب بعد خروج الرئيس السابق صالح من المعادلة السياسية ؟ ذلك أنه لو كان انتصر عليهم كان سيفتح الطريق إلى تسوية سياسية مهما كان ذلك الطريق شاقاً وشائكاً، أما وقد مني بالهزيمة واستقر الحوثي سيداً على صنعاء، فإن فرص التسوية تبددت وبقي أمام الوسطاء بمن فيهم المبعوث الأممي، التفرّغ للمجال الإنساني، رحمة بالناس، وتخليصاً لهم من ذل الحاجة. وسيتولى السلاح وحده تقرير مستقبل اليمن، دمار إذا انتصر الحوثي، وحياة إذا تجرّع الهزيمة، ومع اليمن سيتحدد مستقبل المنطقة ، لأن النجاح هناك صمام أمان والفشل خطر محقق.
ولقد غدت إمكانية الحسم العسكري متاحة، وأضحى النصر في مرمى الأعين، إذا استثمر التغير الحاصل بعد 4 ديسمبر. ففي ذلك اليوم تأكدت الصورة الباغية والمعتمة للحركة الحوثية بممارسات أبعد من أي خيال يعشق الجريمة ؛ إعدام سريع للرئيس السابق وضباطه وقادة حزبه وتأخير دفنه، وممارسات بطش ضد السكان لإكراههم على الصمت وبث الرعب في نفوسهم. كل هذا ضاعف النقمة الشعبية وجعل الناس ينتظرون جيوش الخلاص ويتأهبون لهبّات شعبية منتفضة حين تدنو طلائع القوات، ولسوف يستقبلون استقبال الفاتحين قوات الشرعية حين تطرق أبواب المدن ويوم تسير مواكبها في الشوارع.
ذلك على الصعيد الشعبي، وأما عن القوات المسلحة فلا تزال ألوية وكتائب من الحرس الجمهوري تدين بالولاء وتميل بالعاطفة إلى علي عبد الله صالح، وهي موجودة في الجبهات جنوب وشرق وغرب صنعاء. ولقد أحسنت قيادة التحالف التقدير حين اختارت التقدم على الساحل الغربي في اتجاه الحديدة، لأن الموانئ الواقعة على هذا الساحل تتقدم على صنعاء في سلم الأولويات، ما يجعل تعزيز القوات فيها سابقاً في الأهمية على فتح جبهة جديدة شرق العاصمة. ذلك أن إغلاق الرئة التي يتنفس منها الحوثيون كفيل بكتم أنفاسهم ثم خنقهم، ثم إنه بعد الساحل ستتساقط الثمار المتدلية في ريمة وتعز وإب والبيضاء، وستكون قفزة طويلة نحو العاصمة. أما بدون ذلك فسيبقى اليمن عرضة للانقسام في عملية حسابية تتخطى القسمة على اثنين إلى ثلاثة أو أكثر، أو أن يتمكن الحوثي من الزحف وبسط النفوذ على كامل الجغرافية اليمنية. وفي الأمر شر مستطير على اليمنيين وعلى الخليجيين بنفس الدرجة.
إن قفزة طويلة على الشاطئ ضرورية لمنع الهواء عن الوحوش في الجبال وركل ضباع فارس خارج هضاب صنعاء وبعيداً عن ربوع اليمن ورحاب الخليج.