انتصار للإنسانية
صادق ناشر
التصويت الذي جرى أمس الأول في الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 128 دولة لصالح قرار يدين اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل»، ونقل سفارتها إليها، يعد انتصاراً للإنسانية قبل أن يكون انتصاراً سياسياً أو حقوقياً، فقد أثبت جزء كبير من العالم المتحضر أنه ما زال حياً وقادراً على مقاومة مشاريع الموت والاستسلام، الذي ينادي به البعض.
أثبتت فلسطين، وروحها مدينة القدس، أنها حاضرة في وجدان العالم، وأنه مهما تكالبت النوائب على هذا الشعب الصابر، إلا أنه قادر على مواجهتها بإرادته الحرة وقضيته العادلة، والتي لم تهزم منذ الاحتلال «الإسرائيلي» للأرض الفلسطينية وحتى اليوم.
لم ينكسر الفلسطينيون ولن ينكسروا، وقد أثبتوا في الملمات أنهم «شعب الجبارين»، كما كان يصفه الرئيس الراحل ياسر عرفات، وجاءت خطوة التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرار عارضته 9 دول، في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية و««إسرائيل»» لتؤكد أن فلسطين تعيش في قلب كل عربي ومسلم، وقبل كل ذلك حية في وجدان وضمير كل إنسان في العالم، وهو ما جسده القرار الأممي بشأن القدس بعد جلسة للجمعية العامة للأمم المتحدة بطلب من اليمن وتركيا، ويدعو للتصويت على مشروع قرار يرفض اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل».
خسرت الولايات المتحدة و«إسرائيل» المعركة التي تم خوضها من قبلهما بكل ما تملكانه من علاقات ونفوذ في المؤسسة الدولية، ترافقت مع حملة تهديدات بقطع المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة للدول التي ستصوت لصالح القرار، لكن ما لم تفهمه الدولتان أن القضية الفلسطينية تتجاوز الحسابات المالية والاقتصادية، التي تربط الدول ببعضها بعضاً، صحيح أن الولايات المتحدة الأمريكية تستطيع ممارسة الكثير من الضغوط على الدول الفقيرة، إلا أنها لا تستطيع شراء ضمائرها، باستثناء دول هامشية ارتضت لنفسها أن تسير في الفلك الأمريكي.
تجاوزت القضية الفلسطينية حدود العرب والمسلمين، وصارت تشكل ضميراً للأمم الحرة، فالكثير من الدول الأوروبية والحليفة للولايات المتحدة رفضت الإجراءات التي قامت بها الولايات المتحدة، ورأت فيها خطوة تعمل على اغتيال السلام في منطقة الشرق الأوسط، التي لم تستقر منذ احتلال «إسرائيل» للأراضي الفلسطينية عام 1948، وما تبعتها من قضم الأراضي عبر سياسة بناء المستوطنات، التي تنتشر كالسرطان في الأراضي المحتلة منذ ذلك الوقت وحتى اليوم.
لم تترك الولايات المتحدة خياراً أمام العالم سوى معارضة قرارها الخاص بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة «إسرائيل»، فقد ترك انحيازها لصالح الدولة العبرية الباب مفتوحاً أمام معارضة القرار المثير للجدل من قبل معظم دول العالم الحر، التي وجدت في هذا الانحياز تخلياً عن دور الوسيط وراعي السلام، الذي تدعيه أمريكا، وهو أمر لم يقدم عليه أي رئيس سابق للولايات المتحدة، لإدراكهم أن قراراً كالذي اتخذه ترامب، إنما يؤسس لصراع طويل الأمد في منطقة الشرق الأوسط ويفتح الباب أمام مزيد من الاضطرابات ستؤثر بالتأكيد على الدور العالمي لمنح هذه المنطقة استقراراً تفتقده منذ عقود طويلة.
sadeqnasher8@gmail.com