قضايا ودراسات

انتظارات أوروبية

تصنف الانتخابات العامة الألمانية المقرر إجراؤها بعد أيام قليلة واحدة من المحطات السياسية الحاسمة في أوروبا بالنظر إلى محورية هذه الدولة وتأثيرها بصناعة القرار في القارة. وقبل عام من هذا التاريخ كان الخوف على أشده من صعود اليمين المتطرف ممثلاً في حركة «بيغيدا» المعادية للمسلمين، بيد أنها توارت سريعاً بعد سقوط الجبهة الوطنية الفرنسية في انتخابات الربيع الماضي.
الحملة الانتخابية بين المتنافسين الرئيسيين على منصب المستشارية زعيمة «الاتحاد المسيحي الديمقراطي» أنجيلا ميركل ومنافسها مرشح «الحزب الاشتراكي الديمقراطي» مارتن شولتس تبدو باهتة ومحسومة سلفاً لمصلحة الأولى التي نجحت بمواقفها الداخلية وتنسيقها مع فرنسا في عدد من الملفات السياسية في استقطاب الأضواء وسحبها عن شولتس. وتقول استطلاعات الرأي إن ميركل ستفوز بولاية رابعة لإقناع الرأي العام بتوجهاتها المختلفة. بالنسبة إلى الشارع الانتخابي يميل إلى من له تجربة في الحكم مثل ميركل التي كسبت مصداقية متنامية منذ توليها المنصب في 2005. أما منافسها شولتس فسيرته غير معروفة كثيراً لدى الألمان باستثناء رئاسته البرلمان الأوروبي ضمن مهمته التي استمرت 23 عاماً نائباً مقيماً في ستراسبورغ الفرنسية.
ككل انتخابات غربية، يأمل الناخبون الألمان أن يأتي اقتراع الرابع والعشرين من سبتمبر بحكومة جديدة تعمل على تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وخفض معدلات البطالة ومكافحة الإرهاب والتطرف. أما قضية اللاجئين التي تشغل ألمانيا منذ أن قررت ميركل في 2015 استقبال أكثر من مليون لاجئ سوري وغيرهم من الجنسيات الأخرى، فقد بدأت متجاوزة بعض الشيء بعدما نجحت الحكومة الألمانية في تطويق تلك الأزمة بتعديل قانون اللجوء وتشديده، وذلك بعدما تعرض الحزب الحاكم لبعض الخسائر في الانتخابات المحلية لمصلحة حزب «البديل» المعادي للأجانب. ومازال هذا الملف ورقة قوية بيد منافس ميركل، وربما هو نقطة الضعف الوحيدة لدى ميركل، ولكن تمكن السلطات من ترحيل عشرات الآلاف من اللاجئين ووضع خطة استباقية لوقف تدفق المهاجرين، ساهم في التخفيف من وطأته وخطورته على حظوظ ميركل.
على الجانب الآخر، تنتظر أغلبية الأوروبيين فوز ميركل وتراهن عليه، لتستمر السياسة الألمانية ذاتها في تعزيز البيت الأوروبي، بما يكمل الدور الفرنسي الذي يلعبه الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون. ومن شبه المؤكد أن المحور الألماني الفرنسي سيكتسب دفعة قوية بالنظر إلى التنسيق الكبير بين البلدين بما يفوق المعتاد حسب بعض المتابعين. ورغم حالة الارتياح والتهدئة التي أعقب الخروج البريطاني، ما زال الاتحاد الأوروبي يواجه تحديات كبيرة على المستويين الإقليمي والدولي، ستفرض عليه خوض سلسلة من المعارك، فالأزمة الهجرة واللجوء مازالت معلقة ومدار خلافات واسعة، ومكافحة الإرهاب والفكر المتطرف تراوح مكانها، فضلاً عن مشروع إعادة بناء الاتحاد على أسس ومقومات جديدة، وكذلك مقاومة النزعات الشعبوية والعنصرية التي ساهمت في تسميم المجتمعات الأوروبية في السنوات الأخيرة تأثراً بالاعتداءات الإرهابية والجدل الواسع الذي أحدثته بين النخب المختلفة. أما الأزمات الدولية ومنها الحرب على الإرهاب والأزمة الأوكرانية والعلاقات مع الولايات المتحدة وصولاً إلى تهديدات كوريا الشمالية، فكلها تستدعي صوتاً أوروبياً قوياً وموحداً. وهذا لن يتم إلا إذا كانت ألمانيا تؤمن بهذا النهج، فعندها يمكن أن تتجلى الوحدة الأوروبية وتبدأ في الخروج بسلام من المطبات التي تعترض مسيرتها في هذه المرحلة.
مفتاح شعيب
chouaibmeftah@gmail.comOriginal Article

زر الذهاب إلى الأعلى