غير مصنفة

انفجار المؤجل

خيري منصور

ما تعلو وتيرة السجال حوله الآن من قضايا عربية في النطاق القومي ليس وليد الساعة، لكن غياب الشفافية في واقعنا العربي على مختلف الصعد السياسية والاجتماعية أدى إلى تعميم ثقافة الهمس، وقد يستغرق هذا الهمس عقوداً وليس أعواماً فقط كي يتحول إلى أصوات جهورية مسموعة!
وقد يكون أحد أسباب العنف المصاحب للسجالات الإعلامية بالتحديد التراكم والتأجيل، وبالتالي الحكم بالجملة على وقائع تتطلب قدراً من التفصيل والتدرج والهدوء، وهذا ما يُسمى في علم النفس انفجار المؤجل، والذي يفتضحه التوتر الملحوظ في معظم المقاربات السياسية، وربما لهذا السبب أيضاً كانت معاهدات السلام بين بعض الدول العربية والدولة العبرية صادمة إلى حد كبير؛ لأنها غير مسبوقة بمقدمات تمهد لها؛ بل جاءت ضمن سياق ثقافي راديكالي قدر تعلقه بالصراع العربي – الصهيوني!
وهناك على ما يبدو من يحترفون تبسيط المعقد، مقابل تعقيد البسيط، فما من قضية مهما بلغت من التعقيد لا تقبل التحليل والتفكيك وبالتالي الفهم مع احتفاظ الأطراف بحق الاختلاف!
وهنا نتذكر فضائل الحوار وثقافته وتقاليده؛ لأنه وحده ما يضمن للإنسان التعبير عن مواقفه بلا مواربة. وبلا حاجة إلى استخدام الأقنعة والمراوغة.
ولعل السرعة الجنونية في التخوين والتكفير والتجريم هي من محاصيل ثقافة الاحتكار التي تفضي بالضرورة إلى الإقصاء، وتنتهي إلى الهجاء السياسي المتبادل.
وبين وقت وآخر تأتي مناسبة لإعادة الكشف عن الارتهان سواء كان إعلامياً أو أيديولوجياً بحيث نستطيع أن نحزر ما سيقوله ناشط أو مثقف أو محلل قبل أن يبدأ، كما نستطيع معرفة كل ما ستقوله فضائية ما قبل الشروع في الكلام والتحليل!
وليس من المعقول أن يبقى المعادل الموضوعي لعواطفنا غائباً إلى هذا الحد، ونستدعي كل ما لدينا من احتياطي الغضب لأتفه الأسباب.
فالمسألة على ما يبدو عادات تفكير وطبع يغلب التطبع كما قال ابن خلدون، الذي تنبأ قبل قرون بما نحن عليه الآن!

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى