قضايا ودراسات

باماكو.. رأس الرمح

فيصل عابدون
ربما تكون دولة مالي قليلة الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة وتقع ضمن مصالحها الهامشية التي لا تشكل خطراً محدقاً على مصالحها الحيوية أو المهمة في سياق تصنيفاتها الثابتة للدول والمناطق الجغرافية والجيو سياسية، لكن بالنسبة لفرنسا فإن الأمر مختلف، فجمهورية مالي ودول الساحل الإفريقي عموماً تحتل موقعاً مميزاً في سلم الأولويات بالنسبة للسياسة الخارجية الفرنسية وعلاقاتها الدولية المرتبطة أيضاً بمركزها السياسي ومصالحها في العالم.
فهذه المنطقة الجغرافية التي تضم إلى جانب مالي كل من بوركينا فاسو والنيجر وتشاد وموريتانيا والنيجر تمثل مناطق النفوذ التقليدية لفرنسا الحريصة على عدم فقدان وجودها وتأثيراتها في المنطقة.
كما أنها تشكل من جانب آخر مبعثاً للقلق الفرنسي والأوروبي بشكل عام كونها تجسد فعلياً البوابة المشرعة لتدفقات المهاجرين صوب السواحل الأوروبية، علاوة على كونها الموقع البديل لجماعات الإرهاب العابر للحدود في ظل تراجعها الملموس في مناطق انتشارها في سوريا والعراق واليمن.
وخلال الشهور والأسابيع الماضية تحولت مالي إلى مركز عمليات متقدم للجهود الدبلوماسية الفرنسية وجولات رئيسها الجديد إيمانويل ماكرون المكوكية الساعية لاحتواء موجات الهجرة من جهة ومنع التنظيمات الإرهابية من بناء قواعد جديدة تهدد الأراضي الأوروبية من جهة أخرى.
إن القلق الأوروبي يتعاظم ويزداد مع تداعي اتفاق وقف المهاجرين مع الحكومة التركية وفشل المقاربة الداعية لإنشاء معسكرات إيواء في دول إفريقية بعينها مقابل مساعدات مالية لحكومات تلك الدول. لكن فرنسا مازالت ترى طريقاً ثالثاً يتلخص في إنشاء حلف عسكري من مستعمراتها السابقة تدعمه أوروبا ويتولى المهام الأمنية ضد عناصر الإرهاب وشبكات الهجرة غير الشرعية ويفرض طوقاً محكماً على حدود ليبيا في تناسق مع قوات «فرونتكس» الأوروبية من أجل تجفيف البحر الأبيض من المهاجرين.
وفي قمة باماكو الأخيرة أطلق قادة الدول الخمس والرئيس الفرنسي القوة المشتركة الجديدة على أن تبدأ انتشارها في نوفمبر المقبل مع عديد أولي يبلغ خمسة آلاف عنصر، بحيث تضاف إلى عملية برخان الفرنسية التي تتصدى للمتطرفين في الساحل وإلى بعثة الأمم المتحدة في مالي.
ولتأكيد التزامه تعهد ماكرون بزيادة مساعدات التنمية لدول الساحل بواقع مئتي مليون يورو. ودعا ألمانيا وبلجيكا وإيطاليا إلى المساهمة بسخاء في تمويل القوة الجديدة. ويقول ماكرون إن التحالف الجديد من شأنه توفير الحماية لأوروبا برمتها.
مما لا شك فيه أن مالي تحولت إلى مركز للنشاط الدبلوماسي والسياسي الأوروبي على وجه الخصوص ومع الزخم الذي اكتسبته المبادرة الفرنسية فإن الولايات المتحدة لن تبقى بعيدة لوقت طويل عن شركائها الأوروبيين ومشاريعهم التوسعية.

shiraz982003@yahoo.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى