مقالات عامة

«بتوع المدارس»

د. حسن مدن

يمكن أن تفهم عبارة: «يا متعلمين.. يابتوع المدارس» الشهيرة للفنان الراحل سعيد صالح في مسرحية «مدرسة المشاغبين» المعروفة على أنها هجاء لمنظومة التعليم في بلداننا؛ بحيث إن شخصاً بسيطاً أو طالبا فاشلاً مثل سعيد صالح في المسرحية يشعر بأنه أكثر فهماً من «المتعلمين، بتوع المدارس»، وأن كون الواحد منا متعلماً لا يعني، بالضرورة، أنه أكثر فطنة وحسن تدبير من إنسان آخر غير متعلم، أو نال من التعليم حصة أقل.
هل مِن دليل أقوى من تلك الفطنة التي كانت أمهاتنا وجداتنا يظهرنها في تدبير شؤون الحياة، من أصغر التفاصيل إلى أكبرها، وبالمناسبة، فإن التفاصيل الصغيرة بالذات، تستلزم، أحياناً، حكمة وفطنة أكبر من تلك التي تتطلبها الأمور الكبيرة.
أمهاتنا وجداتنا، في الغالب الأعم، وأتحدث هنا عمن هم في أعمارنا نحن المخضرمون بالطبع، ليس فقط لم يذهبن إلى المدارس؛ حيث لا مدارس حينها عندما كانوا في عمر الدراسة، وإنما لم يقدر للغالبية الساحقة منهن أن ينلن أي صورة من صور التعلم؛ لكن من منا بوسعه نسيان كيف قامت هؤلاء النساء البسيطات بأعظم الأدوار، التي يعجز الجيل الجديد من «المتعلمين» عن القيام بها.
تلفتنا إشارة نابهة إلى هذا الأمر في مقالة لتولستوي؛ هي أجوبة عن ثلاثة أسئلة بعثت بها إليه سيدة من أستونيا كانت ترعى مشروعاً خيرياً، وطلبت منه المساهمة في إنجاحه عبر كتاباته.
كحديثنا أعلاه عن أمهاتنا وجداتنا أشار تولستوي إلى أنه وجد لدى غير المتعلمين ممن وصفهم بالحفارين في الأرض، ولا نعلم إذا كان يقصد بذلك عمال المناجم مثلاً، الذين يحسبون بدقة عمق الأراضي، قناعة عامة بأن الحسابات الرياضية خادعة، وأنه لا يجب الثقة فيها، هذا لأنهم لا يعرفون الرياضيات أو لأن الذين يجيدون الرياضيات كثيراً ما يضللونهم بمعلومات غير دقيقة عن علم أو عن جهل.
القناعة أن لا جدوى من الرياضيات في تحديد القياسات، أصبح حقيقة لا تقبل الشك بين غالبية العمال غير المتعلمين، وهم لا يرون أن هناك حاجة لإثبات ذلك لفرط بداهته، ربما لأن التجربة علَّمتهم أن يتقنوا عملهم دون أن يكونوا قد درسوا الرياضيات.
قطعاً، لا يدعونا تولستوي إلى نبذ التعلم وإثبات عدم جدواه؛ لكنه يريد القول إن عقل الإنسان دليله، وهذا العقل يمتلك قدرات كبيرة لإرشادنا إلى حسن التصرف. صحيح أن هذه القدرات متفاوتة بين البشر، فليس الجميع في ذلك سواء؛ لكن ليس التعليم وحده ما يجعل المرء ذكياً، خاصة إذا كانت منظومات التعليم كالتي نعرفها: قامعة للمعرفة، ومعطلة لقدرات العقل نفسه بدل تنميتها وتطويرها؛ لذا علينا ألا نندهش حين نجد أستاذاً في الجامعة شديد التخلف والرجعية في تفكيره قياساً إلى عامل بسيط علّمه المصنع الذي يشتغل فيه ما لم يتعلمه الأستاذ في دراساته العليا.

madanbahrain@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى