«برافدا» الأمريكية
تأليف:جيمس أوكيف
ترجمة وعرض:نضال إبراهيم
من أجل فضح الأكاذيب التي تنشرها وسائل الإعلام الأمريكية اليوم، ينشر الصحفي المثير للجدل جيمس أوكيف كتاباً بناء على عمل فريق «مشروع فيرتاس الإعلامي» الذي يذهب فيه الصحفيون إلى حيث لا يجرؤ الآخرون، إذ يعتمدون على الفيديوهات والتسجيلات في فضح الانتهاكات الحاصلة في السياسة الأمريكية.
يركز المؤلف في كتابه هذا على مشروعه الصحفي، وعلى أهمية إعادة الحرية للصحافة بعد أن أصبحت بيد أصحاب النفوذ، إذ يجدها الخلاص الوحيد للشعب الأمريكي ولشعوب العالم.
منذ البداية، تعلم الأمريكيون أن الصحافة الحرة ضرورية لوجود ديمقراطيتهم. وقد أثبت ذلك صحته مراراً وتكراراً. لكن هذه الحقيقة تبدو مهددة بشكل فريد اليوم، حيث إن أجهزة وسائل الإعلام الكبرى تشترك بشكل متزايد في فكر إيديولوجي وسياسي وثقافي أكثر أورويلية من الستالينية، ولكنها مخفية بنفس القدر للعامة.
يقدم الكاتب نظرة مفصلة على خلفيته الشخصية، بما في ذلك صداقته مع الكاتب الأمريكي الراحل أندرو بريتبارت. ويتعامل بأسلوب اللسعات الصحفية ضد منظمة «رابطة المنظمات المجتمعية للإصلاح الآن» التي تندرج في توجهها ضمن أقصى اليسار، وهذا ما جعل من اسمه مألوفاً في الأوساط العامة. ويناقش العديد من العمليات، بما في ذلك الوقت الذي اعتقل فيه لارتكابه جنحة، ونقده الأحدث لشبكة «سي إن إن» التلفزيونية وصحيفة «نيويورك تايمز».
فضح الانتهاكات
يشير أوكيف إلى أنه انطلق بمشروعه لأجل «الاستقصاء وفضح النفايات المؤسسية، والاحتيال، وسوء المعاملة، وكافة أشكال السلوكيات السيئة من أجل خلق مجتمع أكثر أخلاقية وشفافية». ويرى أنه في الولايات المتحدة يتم دفع كتّاب الرأي لكتابة الآراء وفق الإملاءات. ولكن عندما تطغى هذه الآراء نفسها وتشكل معظم القصص الإخبارية، كما هو الحال مع صحيفة «نيويورك تايمز»، يبدو أن المراسلين الذين يكتبون القصص والمحررين الذين يخدمونهم قد تجاهلوا فكرة الموضوعية برمتها في الصحافة.
ويقول إن هذا، بشكل جزئي، أمر مفهوم. فالصحفيون يعرفون من أي اتجاه تهب «الرياح»، وسيقومون في بعض الأحيان بالإبلاغ عما يقدمونه من تقارير بطريقة يتوقعونها منهم، خاصة في سوق العمل المتقلص. ولكن عندما يكون الانطباع مراراً وتكراراً، هو أن الرئاسة محتلة حالياً من قبل رجل، منتخب للتو، غير مؤهل للاضطلاع بالمهمة، ليس هناك تأثير سياسي فحسب، بل هو خرق واضح للثقة، وما يتبعه من خسارة كبيرة للإيمان وانعدام الثقة العميق والمتنامي في وسائل الإعلام.
كانت أحد تلك التحقيقات التي أوصلت أوكيف إلى أن يصبح محط اهتمام الشعب الأمريكي، عندما قام «مشروع فيرتاس» بتصوير مقاطع فيديو، وسجلت محادثات تضمنت فضح فساد «رابطة المنظمات المجتمعية للإصلاح الآن» (ACORN) ما أدى إلى قطع التمويل عنها. كما كان لتحقيقاتهم تأثير فعال في تغيير قوانين التصويت في الولايات المتحدة، وفتح التحقيقات الجنائية في تزوير الناخبين، وإساءة استخدام المساعدة الطبية، واللجان غير القانونية.
يفضح الكتاب الأخلاقيات المنحلة لوسائل الإعلام الكبرى ويظهر أن الانتخابات كانت نقطة الانعطاف في التاريخ الإعلامي. فخلال حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2016، تسببت الأدلة المصورة لمشروع فيرتاس في «إنهاء عمل ناشطين ديمقراطيين رفيعي المستوى، وكان لهم الفضل في تحويل الزخم في الحملة. شوهدت مقاطع الفيديو 22 مليون مرة على الأقل في أكتوبر/تشرين الأول 2016. ناقش كل من ترامب وهيلاري كلينتون مقاطع الفيديو في المناظرة الرئاسية النهائية. وفي مجال أخلاقيات وسائل الإعلام، تسبب «مشروع فيرتاس» في إحراج «سي إن إن» من خلال إظهار سخرية موظفيها لتغطية شبكتهم فيما يتعلق بروسيا.
يوضح أوكيف أنه خلال الحملة الانتخابية «ترامب وأنا كان لدينا شيء أساسي مشترك، ليس إلى حد كبير مشترك في الإيديولوجية، بل كخصم مشترك لكلينا. كان الخصم قوياً، وهو ما يمكن تسميته بالمجمع الإعلامي العميق. على الرغم من أن وسائل الإعلام يمكن أن توجد من دون الدولة العميقة، إلا أن الدولة العميقة لا يمكن أن توجد من دون الإعلام».
ويقول أوكيف إنه من خلال فضحهم للفساد والاحتيال في الدولة الإدارية، يحدث حتماً خلط في علاقة الإعلام بالحكومة والمنظمات التي تعمل مع الحكومة. ولا شك أن شخصية مثل ترامب تعد «مشروع فيرتاس» أو أي مشروع صحفي حرّ مفسداً ومهدداً لسياساته.
كل شيء لأجل الحقيقة
بات جيمس أوكيف شوكة في حلق وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى منذ عام 2009، وفي حين أن عمله المثير للجدل هذا قد أكسبه المديح والإدانة من قبل المعجبين به والمنتقدين له، لكن لا يوجد خلاف على أنه أصبح صوتاً مؤثراً في الحياة السياسية والإعلامية الأمريكية. فقد شاهد معظم الأمريكيين مقاطع الفيديو التي يعرضها أوكيف من إنتاج فريقه في «مشروع فيرتاس».
لا يعترض الكتاب على الروايات الخاطئة التي كثيراً ما تطرحها وسائل الإعلام الخاصة بالشركات، بل يوثق عواقب قول الحقيقة في عالم لا يريد بالضرورة سماعها. ويحتوي على قصة مغامرات صاخبة من جهة، ومن جهة أخرى يقدم بحثاً عن وسائل الإعلام الحديثة، ويشير الكاتب إلى أن بعض الصحفيين المؤثرين لديهم مصلحة شخصية في الحفاظ على راحة أصحاب النفوذ، وتضليل الشعب الأمريكي.
وفي حديثه عن عنوان الكتاب، والعلاقة بين الصحافة الروسية والأمريكية، يقول: «كان الفرق الحقيقي الوحيد بين الصحافة الأمريكية وصحيفة برافدا الحكومية السوفييتية هو أن الشعب الروسي كان يعلم أنه يتم الكذب عليهم».
ويضيف: «في البرافدا الأمريكية، القارئ مدعو للذهاب متخفياً مع هؤلاء الصحفيين الجسورين وهم يتسللون إلى كواليس الحملات السياسية، يفضحون المسؤولين غير الشرفاء، ويكشفون عن تزوير الناخبين».
يتعرض الكاتب جيمس أوكيف لهجوم من خصومه أو من يعمل على فضح انتهاكاتهم عبر الدعاوى القضائية، وحملات التشهير، والملاحقات السياسية، والتهم الزائفة في محاولة منهم لإغلاق «مشروع فيرتاس». بالنسبة لأوكيف، يعتبر أن كل هجمة من هجمات السياسيين الفاسدين على الصحافة هي علامة على النجاح.
يقول أوكيف إنه: «في الماضي غير البعيد جداً، كان من المعتاد أن فضح السلوك السيئ هو قاعدة لدى كل الصحفيين. وفي أواخر منتصف القرن العشرين، كان المشهد الإعلامي مملوءاً بالأبطال الشعبيين المستقلين الذين لم يكن هناك من إمكانية لشرائهم أو بيعهم. أولئك الصحفيون – باتوا الآن فئة متلاشية – كانوا يستخدمون كافة الوسائل لأجل كشف الحقيقة المخفية حتى وإن لجؤوا إلى الخداع في بعض المناسبات. ويستشهد بما يقوله الصحفي كين أوليتا: عمل الصحفي هو الحصول على القصة من خلال اختراق مكاتبهم، وتقديم الرشى، وإغراء الناس، وبالكذب، ومن خلال استخدام أي شيء آخر لاختراق حرّاس القصر. بالنسبة لجيل أو ما يقارب ذلك – ربما منذ وبسبب فضيحة ووترجيت – كل شيء تغير».
مشروع فيرتاس والصحافة الحرة
وعن مشروعه الصحفي يقول: «هدف مشروع فيرتاس هو إظهار الحقيقة بأقرب صورة ممكنة للجمهور العالمي. في القرن الحادي والعشرين، مشاركة الحقيقة هي طريقة عظيمة لخلق أعداء، خاصة إذا كانت تلك الحقيقة تنعكس بشكل سيئ على الأشخاص الموجودين في السلطة. من وجهة نظر الإعلام الأمريكي السائد، يعدّ فضحنا الفساد مشكلة أكثر من الفساد نفسه».
يوضح أوكيف أيضاً أهمية الصحافة في عالم اليوم، وعلى وجه التحديد لدولة مثل الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن الصحافة الحقيقية هي الخلاص الأخير لأمريكا، ولا بد من توضيح ما هو المطلوب لتفعيل عمل هذه الصحافة، وتحديد أن جمع المعلومات ينبغي أن يتم فهمه كنشاط، وليس هوية محددة بفئة معينة، ويبين أن مشروع فيرتاس ذو تأثير أكثر على السياسة العامة المباشرة أكثر من أي جهة أخرى في القرن الحادي والعشرين، خاصة عند الحديث عن التكتيكات المستخدمة في ممارستهم الصحفية، والكشف عن نتائج أعمالهم والاعتراضات التي وجهت ضدهم.
ويقول: «لم ينسَ أحد روح الصحافة الجديدة لتوم وولف وساول ألينسكي وألكسندر سولزهينيتسن وآخرين. هؤلاء من تأثرنا بهم، ومن نستنير بهم. نتصوّر أن عملنا ليس ابتعاداً راديكالياً عن الصحافة التقليدية بل هو استعادة لتلك الصحافة ذاتها». ويضيف أن جمع الأخبار هو عمل محمي بموجب التعديل الأول في القانون الأمريكي. وبذلك يمكّن التعديل الأول كل المواطنين من جمع الأخبار سواء ذهبوا إلى كلية الصحافة أو لا، هذا يعقبه أن الصحافة ينظر إليها بشكل أفضل على أنها نشاط أكثر مما هي هوية محددة. الصحفيون المتأسسون، في العموم، متشبثون بهويتهم كصحفيين. وأصدقاؤهم في الحكومة بذلوا جهداً كبيراً لأجل استصدار تشريع يحمي حالتهم.
ويرى أن: «النية الواضحة من هكذا قوانين هي حماية التكتل الاحتكاري للإعلام السائد وأزلامهم في الحكومة من هؤلاء الأشخاص الذين مثلنا ممن يمتلكون وثائق، وهؤلاء الذين يتعاملون مع الصحافة كنشاط. الدولة العميقة لا تثق بنا ولا تستطيع أن تثق بنا».
ويشير أيضاً إلى أنه «في الحقيقة، أي شخص مزوّد بكاميرا على هاتفه أو هاتفها، يمكن أن يكون صحفياً أو صحفية. في العديد من المرات، يكون هؤلاء المواطنون الصحفيون أكثر تأثيراً؛ لأنهم أقرب إلى مشهد الحدث، ولديهم أجندة أقل من الصحفيين المحترفين. عندما يتم تنظيم صحافة المواطن كما في مشروع فيرتاس، حينها تصبح تهديداً على الوضع الراهن».
ويمضي أكثر في مسألة تحديد دور الصحفي قائلاً: «لقرن أو أكثر، كان يحاول المنظرون تعريف دور الصحفي. قال والتر ليبمان: (ليس هناك قانون أعلى في الصحافة أكثر من قول الحقيقة وفضح الشر)، وبالنسبة لعالم الأخلاق جيفري أولين، كان هدف الصحفي ببساطة هو العمل على تعزيز حق العامة في أن يعرفوا. وآمن خبير التواصل جيمس إيتيما بأن «التقرير الصحفي الاستقصائي يستهدف بشكل محدد كشف مسائل تتسم بأهمية كبيرة يريد بعض الأشخاص أو مجموعة منهم إبقاءها قيد السرية. من خلال القيام بذلك، يقدّم الصحفي للمجتمع فرصة لاختبار ما هو انتهاك للنظام الأخلاقي، وما هو غير مخالف. في النهاية، ناقش إيتيما أن الصحفي يجد النجاح في كشف المعاناة الإنسانية التي تخفي تحتها مجموعة من الإحباطات المنتظمة، ما يستدعي سخطاً ليس فقط فيما يخص المأساة الفردية بل أيضاً تجاه حالات الخلل الأخلاقي والانهيارات الاجتماعية التي تمثلها المأساة».
لقد سخر خصوم أوكيف من تكتيكاته الإعلامية، وكثيراً ما اشتكوا من عمل فريقه ضد بعض الشخصيات اليسارية، لكن في العموم، يندرج عمل أوكيف الصادر في 320 صفحة عن مطبعة سانت مارتن (16 يناير/كانون الثاني، 2018) باللغة الإنجليزية، تحت بند «الصحافة الفدائية»، حيث يكون أساس عملهم هو النضال لأجل كشف الحقائق، والدفاع عن حرية التعبير.
نبذة عن المؤلف:
– جيمس أوكيف (من مواليد 28 يونيو/حزيران 1984) هو ناشط سياسي أمريكي محافظ، ينتج لقاءات سرية مسجلة بالصوت والفيديو مع شخصيات وموظفين في منظمات ومؤسسات الخدمات الأكاديمية والحكومية والاجتماعية. وهو مؤسس ورئيس كل من (Project Veritas) و(Project Veritas Action)، وهي منظمات غير ربحية مخصصة للتحقيق في الفساد والتبذير والاحتيال في المؤسسات العامة والخاصة.
وقد أدت التحقيقات التي أجراها جيمس أوكيف مباشرة إلى إقرار تشريعات جديدة، وتحقيقات اتحادية وحكومية، واستفسارات من الكونجرس، ووقف تمويل المجموعات الممولة من دافعي الضرائب، وحدوث استقالات، واعتقالات، وإجراءات تأديبية. كما ألهمت سلسلة أوكيف عن عمليات تزوير الناخبين عدة دول لإصلاح قوانينها الانتخابية.
في عام 2013، قام أوكيف بتأليف كتاب أصبح الأكثر مبيعاً في «نيويورك تايمز» بعنوان «اختراق: حرب العصابات لدينا من أجل كشف الاحتيال وإنقاذ الديمقراطية». في صيف 2017، بدأ أوكيف سلسلة تحقيقات فيديو في سلسلة برافدا الأمريكية التي ركزت على الكشف عن التحيز والدوافع الخفية عند شركات الإعلام الكبرى.
تخرج أوكيف في جامعة روتجرز. حاصل على العديد من الجوائز منها: جائزة روبرت نوفاك للتميز الصحفي (2011).