بشت المدير
محمد القبيسي
بعد مرور سنوات طويلة وأثناء تسوُّقي الأسبوعي من سوق السمك لمحت وجهاً مألوفاً تعرفت إليه على الفور، وكيف أنسى وجه ذاك الرجل الذي كان في يوم من الأيام مديراً مهماً يتراكض القاصي والداني لكسب ودّه ونيل رضاه، في الوقت الذي كان لا يرحم أحداً من موظفيه ويطبق بحقهم ما طاب له من احكام صارمة ويُنزل بهم أقصى صنوف العقوبات دون أدنى تعاطف أو إنسانية، وها هو الآن يمشي وحيداً بائساً بعد إحالته إلى التقاعد.
وقد تناهى إلى سمعي مرات عديدة أن كل من عملوا معه كانوا يتجنبون لقاءه وإلقاء التحية عليه لشدة كرههم له، فلم يكن له رصيد طيب في قلوب الناس بسبب سوء معاملته، على النقيض من مسؤول آخر ترك منصبه ولكن ما تزال علاقة كل من كان حوله جيدة حتى بعد مرور كل تلك السنوات حيث يقومون بزيارته من وقت لآخر وفي المناسبات ويتواصلون معه كل حين، لأنه كان صاحب أخلاق سامية وتعامل إنساني يُشار إليه بالبنان، ولهذا ملك قلوب الناس من حوله وكان كما قيل على لسان أحدهم: «اقتحمونا بأرواحهم الراقية وتواجدهم العبق برائحة المحبة والاحترام.
مهما بدت جمالية البشوت المذهبة على الأكتف الا انه يبقى المصير واحد فسوف يرتديه من بعدك من يستحقه او العكس لكن النتيجة واحده ستتأمل من يرتديه بشغف وقد تكون احد الأشخاص الذي يتمنى ان تعود عجلة الزمان للخلف ليرتدي البشت مجددا لكن كما يقال “أن فات الفوت ماينفع الصوت”
البشت الذي سقط منك بسبب خروجك من الوظيفة بالانتقال أو التقاعد أو لأي سبب من الاسباب دلالة على امر يجب ان تأخذه في عين الأعتبار انه لن ينفعك منصبك ولا مكانتك السابقة وإنما علاقتك الإنسانية بالناس من حولك ومساعدتك إيَّاهم واحترامك لهم وتقديرك لجهودهم.
هذا لا يعني أن على المدير أو المسؤول أن يكون ليّناً في تعاطيه مع الموظفين، وإنما أن يتَّسم بالحزم وعدم التساهل مع من يتعمَّد الإساءة لزملائه والتقصير في أداء مهامه، في الوقت الذي يكون فيه ودوداً محترماً مع الجميع على اختلاف درجاتهم الوظيفية، تماشياً مع القاعدة العامة في التعامل مع الآخرين «احترم تُحترم».
وفي حياتنا اليومية يطرق سمعنا الكثير من القصص الواقعيه لمدراء يعاني الكثير من الموظفين منهم تصل تفاهة اسلوبهم الى انتقاد طعم قهوته الصباحية الى استنفار مشمئز، التوتر الذي يخلقه البعض في بيئة العمل خاصة من المدير المتسلّط الذي لا سبيل إلى التفاهم معه، والذي يحاول دائماً فرض رأيه بالقوة ولا يسمع صوتاً غير صوته، بل ويغلق جميع الأبواب أمام موظفيه يدفع البعض إلى تغيير منصبه الوظيفي أو الانتقال إلى قسم آخر، أو حتى تقديم الاستقالة هرباً منه.
ويذكر في علم النفس أن أصحاب الشخصيات المتسلّطة يتَّسمون برغبتهم في فرض هيبتهم وسيطرتهم على الآخرين وسعيهم الدائم للتحكم بالأشياء وسير الأمور من حولهم، كما أنهم أحياناً كثيرة يعدُّون الناس ويقسّمونهم إلى فئتين؛ إما معهم أو ضدهم، ولذلك فغالباً ما تلحظ أن الناس يحاولون تجنُّب تلك الشخصيات سواء في حياتهم العادية أو الوظيفية، حيث يحاول الموظفون أن يتحاشوا أي احتكاك مع المدير المتسلّط كونه شخصا أحادي التفكير وغير مرن على الإطلاق ولا جدوى من التواصل معه.
وعلى النقيض من ذلك ترى الناس ينجذبون إلى صاحب الشخصية الودودة والمدير الطيب الذي يحترم جميع من حوله ويقدّر جهودهم ولا يتسلَّط عليهم بأوامر أو مهام إضافية مرهقة، فالمدير الناجح هو من يستطيع أن يجمع الموظفين حوله ويكسب محبتهم ويُخرج أفضل ما فيهم من قدرات وإمكانيات.
يقول بيلفر شتاين: «يظن كثير من رجال الإدارة أن العلاقات الانسانية فصل في كتاب تنظيم العمل، وهم مخطئون في هذا، فالعلاقات الإنسانية هي كل الكتاب».
في الختام لاتكن يابسا فتكسر أو لينا فتعصر.