بعثات “طرق أبواب” لإجلاء موقف مصر وفضح إثيوبيا
بقلم/ حامد الأطير
بعد أن أظهرت إثيوبيا سوء نواياها وتعنتها وصلفها وعنادها ومراوغتها في التعامل والتفاوض مع مصر منذ إعلانها عن بناء سد النهضة في 2011 وحتى الآن، وبعد أن أصرت على فرض إرادتها وإملاء شروطها بالقوة والقهر، وبعد أن استهانت بحق وقوة مصر وبعد أن استهانت بالقانون الدولي وبالاتفاقيات الموقعة مع مصر، وبعد أن لجأت مصر مؤخراً بشكوى إلى مجلس الأمن، توضح فيها تطورات قضية سد النهضة ومراحل المفاوضات، وما اتخذته مصر من مواقف مرنة ومُتسقة مع قواعد القانون الدولي، وأهمية الانخراط الإيجابي من جانب إثيوبيا بُغية تسوية هذا الملف بشكل عادل ومتوازن للأطراف المعنية الثلاثة، وبما يضمن استدامة الأمن والاستقرار في المنطقة.
أصبح لزاماً على القاهرة القيام ودون إبطاء، بتشكيل بعثات مشتركة -ديبلوماسية وفنية- لتجوب دول العالم ولتطرق كل الأبواب الرسمية والبرلمانية والإعلامية والشعبية لشرح خطورة سد النهضة وآثاره المدمرة على مصر، ولبيان سلامة موقف مصر القانوني، الذي أقر لها {حقوقاً مائية مكتسبة} عبر آلاف السنين، مصونة ومحمية بموجب عدة اتفاقيات صحيحة وموثقة، وغير قابلة للإلغاء أو الانتهاك، ولبيان أن سد النهضة إن كان يمثل لإثيوبيا وسيلة لكسب ملايين الدولارات، فإنه يمثل لمصر مسألة حياة أو موت وقضية وجود، لا تقبل فيها مزايدة أو مكايدة.
ولتؤكد هذه البعثات على أن نهر النيل ليس نهر إثيوبي، أي ليس نهر وطني (محلي) وإنما هو نهراً دولياً، وهذا ما يؤكده القانون الدولي الذي يُعرف النهر الوطني بأنه (النهر يقع بأكمله من منبعه إلى مصبه وروافده كافة، داخل حدود أقليم دولة واحدة، وتكون سيطرة الدولة على النهر سيطرة تامة، ويخضع النهر لسيادتها مثله مثل أي جزء آخر من أقليمها، مالم يكن هذا الاختصاص مقيداً بمقتضى معاهدة أو اتفاقية دولية تتعلق مثلا بالملاحة الدولية).
ويعرف النهر الدولي وحسب ما ورد في اتفاقية هلسنكي عام 1966 ( إذا كان حوضه يمر في أقاليم دول مختلفة) وأكدته لاحقاً اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية عام 1997 حين عرفت النهر الدولي بأنه (المجرى المائي الدولي أي مجرى مائي تقع اجزاؤه في دول مختلفة) وفي هذه الحالة تباشر كل دولة سيادتها على ما يمر في أقاليمها مع مراعاة مصالح الدول التي يمر بها النهر (الزراعية والصناعية والسكانية).
ويجب أن توضح تلك البعثات أن القانون الدولي قد أكد على الاستخدام العادل والمنصف لمياه النهر، وأنه لا يجيز للدول التي يمر بإقليمها نهر دولي أن تتخذ أي عمل أو تصرف من شأنه التأثير في الحقوق والمصالح المقررة للدول النهرية الآخرى، كما أنه أكد على مبدأ المساواة في السيادة بين الدول النهرية، والذي يعني أن للدول النهرية حقوق متساوية، أو بتعبير أدق، يكون لهذه الدول حقوقا متبادلة الصلة فيما يتعلق باستخدام المجرى المائي، كما ويجيز لكل دولة أن تستخدم المياه وفقا لاحتياجاتها شريطة ألا تسبب أي ضرر ملموس لأية دولة أخرى من دول الحوض، ولا تلتزم الدول النهرية فقط بأن تمتنع عن وقف أو تحويل تدفق نهري يجرى من أراضيها إلى أراضي دول مجاورة، بل إنها تلتزم أيضا بأن تمتنع عن استخدام مياه هذا النهر استخداما يشكل خطراً على الدولة المجاورة أو يمنعها من استخدام تدفق مياه هذا النهر من جانبها استخداما مناسبا.
ويجب أن تركز تلك البعثات على كشف خطأ وسوء نية إثيوبيا حين قامت وبشكل منفرد بإنشاء السد دون الحصول على موافقة كل دول الحوض أو حتى دولتي المصب -مصر والسودان- وبما يخالف الاتفاقيات الدولية، التي تمنع إقامة مشاريع مائية مستقبلية فى مصادر المياه الدولية المشتركة بدون إخطار وتشاور مع الدول المتشاطئة الأخرى، وحين استغلت الاضطرابات السياسية في مصر عام 2011 وغيرت المواصفات الفنية لسدّ النهضة، لتصبح مخالفة تماماً لتلك التي كانت تتفاوض بشأنها مع مصر والسودان قبل يناير 2011، ففي تصرف مفاجئ رفعت إثيوبيا سعة السد التخزينية من (14) مليار متر مكعب من المياه إلى (74) مليار متر مكعب.
يجب أن تتحرك هذه البعثات بشكل سريع ومركز ومدعوم ومسلح بكل وسائل الإيضاح والتوثيق الورقي والمرئي والرقمي، ويجب أن تقوم الجهات المختصة بإنتاج فيلم مرئي قصير وبسيط يتضمن كل الحقائق وكل الاتفاقيات وكل الخطوات والإجراءات التي تمت من جانب مصر ومن جانب إثيوبيا منذ البداية وإلى الآن، ليتضمن الرد على ادعاءات إثيوبيا الكاذبة ويدحض مزاعمها المضللة التي تروج لها، حيث تدعي أنها تبني سد النهضة من أجل التنمية، باستخدام العائد من توليد وبيع الكهرباء لهذا الغرض، وهذه كذبة كبرى، لأن المستهدف إنتاج (6) آلاف ميجا وات (6 مليون كيلو وات) وهي كمية هزيلة وقيمتها قليلة وغير مؤثرة، ولن يستطيع السد إنتاجها فعلياً، لأن العديد من الخبراء -ومنهم خبراء إثيوبيين- أجمعوا على أن السد لن ينتج أكثر من (3) ميجا وات، وأياً كانت كمية وقيمة الكهرباء المنتجة، فيجب ألا تكون على حساب حياة شعب ووجود دولة.
كما أنها تدعي أيضاً بأن مصر والسودان تستوليان على الحصة الأكبر من مياه نهر النيل الأزرق، وهذه كذبة أخرى، لأن إثيوبيا من الدول الغنية مائياً، وهي ثانى أغنى دولة مائياً فى أفريقيا بعد جمهورية الكونغو الديمقراطية، فهي تمتلك (24) حوضاً نهرياً، يصل حجم الأمطار عليها إلى (950) مليار متر مكعب في العام، تجرى منها خارج حدودها «قبل الشروع فى بناء السدود الأثيوبية» (100) مليار م3 سنويا، والكمية العظمى المتبقية والتى تصل إلى (850) مليار م3 سنويا من المياه الخضراء، تستخدم بالفعل داخل الأراضى الأثيوبية فى الزراعات المطرية والمراعى الطبيعية والغابات، ولذلك فهي تربي ما يربو عن (50) ألف رأس ماشية سنويا مقابل (7) مليون رأس تربيها مصر، وتزرع (80) مليون فدان مقابل (8) مليون فدان في مصر.
على مصر ألا تترك الساحة الدولية خالية لإثيوبيا لتشيع وتبث أكاذيبها وأباطيلها بدعم أطراف عدة تضمر العداء والشر لمصر، وعلى مصر ألا ننسى أن إثيوبيا قد سبقتها وارسلت بعثات لدول عدة، ويكفي هنا الإشارة إلى أنها أرسلت بعثات إلى (40) ولاية أمريكية، لتسوق نفسها على أنها حمل وديع ودولة مسالمة وفقيرة تسعى لاستغلال مواردها المائية لإحداث التنمية لتوفر لشعبها حياة كريمة، وأن مصر تقف كحجر عثرة ضد هذا التوجه ولا تريد لشعبها الخير، مع العلم أن الاحصاءات الدولية أظهرت أن نسبة الفقر في إثيوبيا 29% وفي مصر 35% !