بين تركيا و«داعش»
عاطف الغمري
كانت هجمات القوات التركية على منطقة عفرين داخل الأراضي السورية، وتهديد أنقرة بتوسيع نطاق عملياتها العسكرية من شمال غرب سوريا إلى شرقها حتى الحدود مع العراق، قد نبهت المتابعين في الغرب للازدواجية في الخطاب التركي، الذي يصف فيه الأكراد المناهضين بقوة لتنظيم داعش في سوريا بالإرهابيين، بينما هي تغض النظر في داخلها أو في سوريا عن إرهاب داعش. بحيث وصفه الباحث البريطانى كريستوفر دي بلايجيو بأنه تصرف يفتقد حسن اتخاذ القرار،، لا يهمنا شيء سوى التصرف باعتبارها دولة عثمانية يحق لها غزو دول أخرى بمبررات واهية.
لقد كشف التدخل العسكري التركي في سوريا، الدوافع التي تحرك أنقرة المنفلتة عقلاً وسلوكاً، وكان تدخلها داخل الأراضي السورية، رداً على نجاح أكراد سوريا، في إطار ما عرف باسم «الاتحاد الديمقراطي»، في دحر تنظيم داعش في منطقة قريبة من حدود تركيا، وذلك في نهاية الصيف الماضي، وتأكيد سيطرتهم على المنطقة، وهو ما اعتبرته تركيا تهديداً لها.
وكان أكراد سوريا قد استطاعوا قبل ذلك، تحرير منطقة عين العرب – كوبانى في سوريا بأكملها من تنظيم داعش، منذ بدء المعارك بينهما في عام 2014.
وفي أكتوبر الماضي شهدت تركيا تصعيداً في أعمال العنف داخلها، عندما فجر رجلان نفسيهما في وسط العاصمة أنقرة، مما أدى إلى مقتل 102 شخص. وكما يقول الباحث كريستوفر دي بيلايجيو، وهو مؤلف وصحفي بريطاني متخصص في أحداث الشرق الأوسط، وجنوب آسيا، بتركيز على التطورات في تركيا وإيران، أن اعتقاداً قد ساد في تركيا بأن تنظيم داعش وراء هذه المذبحة، وأن التجاهل الرسمي من الدولة التركية للمطالب بتوفير الإجراءات الأمنية اللازمة، هو الذي سهل تنفيذ هذه المذبحة.
وكانت داعش قد بدأت في سبتمبر 2014، جهوداً مكثفة لاستعادة السيطرة على عين العرب – كوباني من يد الأكراد ودار قتال عنيف، خسر فيه الأكراد أعداداً من مقاتليهم بين قتيل وجريح.
عندئذ طالب بعض من أكراد تركيا، السماح لهم بالذهاب إلى سوريا لدعم أكراد سوريا في عين العرب – كوباني ضد تنظيم داعش، لكن تركيا رفضت مطالبهم، أو السماح لهم بالذهاب للقتال ضد داعش. وانتشر الاعتقاد في تركيا بأنها كانت تأمل في استعادة داعش سيطرتها على كوباني، وغيرها من المناطق التي استطاع الأكراد تحريرها من داعش. وكان هذا سبباً في الفتور في العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة، نظراً لما كان قد أعلنه ترامب لشعبه، من أن القضاء على داعش يتصدر أولوياته السياسية.
وكان بعض المسؤولين الأتراك قد أفصحوا في تصريحات خاصة لصحفيين أجانب بأنهم يشعرون بالذنب لمهادنة تركيا لداعش، والتي كان لبعض أعضائها علاقات قديمة مع حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا. وخاصة بعد ما تبين أن الرجلين اللذين قاما بالتفجير الانتحاري في أنقرة، كانا مدرجين على قائمة المطلوبين، ومع ذلك تمكنا بسهولة من شق طريقهما إلى أنقرة بعد سفرهما لمئات الأميال من الحدود السورية إلى داخل تركيا.
وبالرغم مما ثبت من أن داعش كانت وراء تفجيرات أنقرة، إلا أن التنظيم ظل ممتنعاً تماماً عن القيام بأية هجمات مباشرة ضد الدولة التركية ذاتها، سواء كانت ممثلة في الجيش أو الإدارات الحكومية.
ويعتقد الباحثون في الشؤون التركية أن أية مواجهة عدائية بين تركيا وداعش، تعتبر أمراً بعيد الاحتمال، لأن خلايا داعش متوطنة داخل تركيا، ومنتشرة بدرجة كبيرة، وهي التي تولت تسهيل عبور الإرهابيين القادمين إلى تركيا من دول أخرى، ثم سفرهم إلى الأراضي السورية، وبعلم الحكومة التركية.
إن تركيا لا تخفي أطماعها في البلاد العربية، خاصة في سوريا والعراق، حتى إن بعض المسؤولين الأتراك كانوا يشيرون من حين لآخر، باعتزازهم بأيام كانت فيها هذه البلاد، خاضعة للدولة العثمانية، وتحت حكم السلطان العثماني. ولم يمنعهم ذلك من أن يتحالفوا مع الإرهاب، خاصة تنظيم داعش، وأن يصفوا الذين يقاتلونه، ونجحوا في كسر شوكتهم في سوريا بأنهم هم الإرهابيون!.