تأخير الاستحقاق الديمقراطي
د. حسن مدن
من حيث شاءت أم لم تشأ، فإن قوى الإسلام السياسي في العالمين العربي والإسلامي، ألحقت ضرراً كبيراً بالمسألة الديمقراطية في بلدانها، وجعلت المسافة بين الشعوب ونيل ما تتطلع إليه من مجتمعات ديمقراطية تقودها حكومات مدنية أبعد، وأطول، مع أن الأمر كان يمكن أن يكون عكسياً تماماً، خاصة بعد إخفاق الدول الوطنية بالمنطقة في تحقيق الديمقراطية وإنجاز التنمية المنشودة أيضاً، لا من حيث هي معدلات نمو سنوية مستقرة وتصاعدية فحسب، وإنما من حيث تلبيتها لمقتضيات العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة.
بعد عقود من قيام الدول الوطنية إثر نيل الاستقلالات، كانت الشعوب قد ضاقت ذرعاً بالاستبداد السياسي، والنمط الديكتاتوري في الحكم، وإدارة الدولة والمجتمع، وكانت مستعدة للتضحية في سبيل تحقيق الانعطاف نحو الديمقراطية، من حيث هي منظومة حريات يضمنها القانون، ومن حيث هي تعددية سياسية وحزبية حقيقية، ومن حيث هي مشاركة سياسية تنظمها الآليات التي استقرت عليها القواعد الدولية.
في مثل هذا الظرف المأزوم، وأمام تراجع وانحسار نفوذ القوى التقدمية والليبرالية، برز الإسلام السياسي كداعية لا للديمقراطية، وإنما للدولة الدينية، وحتى لو توسّل الأدوات الديمقراطية، كالانتخابات مثلاً، فإن غايته، سواء أفصح عنها أو واربها، ليست الديمقراطية، وإنما الظفر بالسلطة السياسية من أجل تحقيق هدفه في إقامة الدولة الدينية التي تتلقى توجيهاتها من «مرشد عام»، أو «ولي فقيه»، وما تحت سلطتهما من مؤسسة دينية راسخة، وواسعة النفوذ، ولا نقول هذا جزافاً، فالتجربة الملموسة أمامنا في أكثر من مكان تقدم على ذلك البرهان.
في ظرف مثل هذا نشأت مهمة كبيرة ومعقدة ومكلفة، لم تكن مطروحة من قبل، هي تفادي خطر الدولة الدينية التي يتعين هنا التفريق بينها كغاية سياسية وكشبكة مصالح، وبين الدين نفسه، من حيث هو الوجدان العام للأمة الذي لا يمكن لها التفريط فيه. وأي مطابقة بين الأمرين هو افتراء على الدين نفسه من جهة، وعلى مفهوم الدولة نفسها، من جهة أخرى، وهي مطابقة غايتها نفعية وانتهازية، ترمي لتوظيف مكانة الدين في أفئدة وعقول الناس لخدمة أغراض جماعات سياسية بعينها، وإيجاد الذريعة لقمع من يخالف هذه الجماعة الرأي، مقدمة نفسها كراعٍ للدين وحامٍ.
لذا وجدنا قطاعات كبيرة من الناس ممن ابتليت بسطوة مثل هذه الجماعات وقد باتت في الحكم، تترحم على الأنظمة التي ثارت عليها لأنها فاسدة ومستبدة، فإذا بالشعوب تقع تحت استبداد أشدّ وأمر، لا يرمي للاستحواذ على السلطة والمال فقط، وإنما أيضاً قولبة المجتمع وتأطيره في نمط معيش مجتمعي – ثقافي محافظ، يقمع الحريات الشخصية والتعددية الثقافية، في مجتمعات خبرت مثل هذا التعدد الذي كان مصدر إثراء لها.
madanbahrain@gmail.comOriginal Article