قضايا ودراسات

«تانغو» القراءة والكتابة

خيري منصور

يقال أحياناً إنه ما من رقصة «تانغو» من شخص واحد، ويصح هذا القول على السياسة والثقافة والاقتصاد أيضاً، لأنه ما من حاكم بلا محكوم وما من كاتب بلا قارئ وأخيراً ما من بائع بلا زبون يشتري بضاعته!
وقدر تعلق «التانغو» بالقراءة والكتابة فإن ما يحدث الآن من قطيعة بين المكتوب والمقروء يعيدنا إلى عبارة شهيرة لهربرت ريد قال فيها «إن هناك تحالفاً سرياً بين الكاتب الجاد والقارئ الحصيف، يقابله تحالف آخر مضاد بين الكاتب الباحث عن التسلية والقارئ الذي يستخدم الكتاب في القيلولة أو قبيل النوم لاستدراج النعاس!
وما كتب بمختلف اللغات عن القراءة كفن ومران وخبرة وأخيراً مشاركة، يوصلنا إلى قناعة لا تقبل الشك بأنه ما من مرسِل بلا مرسَل إليه، اللهم إلا إذا أصبح الإنسان يهذي ويكلم نفسه كالمجانين، وبالتالي يختفي الديالوج، أي الحوار والمشاركة لصالح المونولوج وهو التداعيات بلا نهاية!
وحين يتذرع بعض الكتاب الذين يستخفون بالقارئ بأنهم يتجنبون التعمق أو التعقيد بسبب انتشار الأمية أو لأن القارئ يبحث عن السهولة والوجبات الخفيفة فهم آخر من يعلمون بما طرأ من تحولات على القراء في العالم العربي، وما تشكل لديهم من وعي وحاسة نقدية مشحوذة، بحيث ينصرفون على الفور عن السطحي والاستهلاكي، لأن قضاياهم تعقدت.
وما كان رفاهية ذات يوم أصبح من أقصى الضروريات، وتكفي نشرة أخبار واحدة لتقديم بانوراما دموية لواقع عربي، لهذا تجاوز وعي القارئ في بعض المواقع والسياقات وعي الكاتب نفسه وأصبح الأدرى بشعاب واقعه الصعب، لأنه مشتبك من الصباح إلى المساء بكل ما يجري أمامه ومن حوله في عالم مضطرب، أصبحت فيه المفاهيم وحتى المفردات بحاجة إلى فك اشتباك.
وحين سئل كاتب فرنسي قبل نصف قرن عن أهم مصادره المعرفية ذكر عدة كتب من مختلف العصور وفي شتى نواحي المعرفة، ثم أضاف عبارة كانت مفاجئة لسائله هي أن كل هذه المصادر والمرجعيات تأتي بعد القارئ.. واستشهد بمقولة لأرسطو هي أن الكتب أهم ما في هذا الكون لكن بعد الإنسان!

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى