مقالات عامة

تتبع الرخص

د. عارف الشيخ

بالرغم من أن الله تعالى يقول «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر» (البقرة: 185).
ومن أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه» (رواه أحمد).
ورغم الآيات الكثيرة والأحاديث الكثيرة التي تدل على مشروعية الأخذ بالأيسر والأخف، والكتب التي ألفها العلماء في الرخص الفقهية المستنبطة من الكتاب والسنة، إلا أن الدين الإسلامي الحنيف لا يجيز التلاعب بالقواعد الفقهية، بحيث يتم تتبع الرخص للأخذ بالأخف، لا لرفع حرج أو دفع مشقة، بل لمجرد الهروب من الواجبات والتكاليف الشرعية.
نعم… هناك أقاويل مختلفة لعلماء تفسر بأنهم أفتوا بها بحسن نية، لكن قد تكون أقوالاً شاذة لم يتفق عليها، أو أنها تفسر اليوم حسب الأهواء، لذلك فإن مما يؤثر عن الإمام أحمد بن حنبل قوله «لو أن رجلاً عمل بقول أهل الكوفة في النبيذ، وأهل المدينة في السماع (الغناء)، وأهل مكة في المتعة، كان ذلك الرجل فاسقاً).
ويقول ابن الصلاح في فتاويه: «ومن تتبع ما اختلف فيه العلماء وأخذ بالرخص من أقاويلهم تزندق أو كاد».
ويقول ابن القيم في «إعلام الموقعين» ج4 ص 211 «وبالجملة فلا يجوز العمل والإفتاء في دين الله بالتشهي والتخير وموافقة الغرض».
ويقول الإمام الشاطبي المالكي في «الموافقات» ج 4 ص 145 «تتبع الرخص ميل مع أهواء النفوس، والشرع جاء بالنهي عن اتباع الهوى، وتتبع الرخص مضاد للأصل المتفق عليه، وهو «فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول» (النساء: 59)، وموضع الخلاف موضع تنازع، فلا يصح أن يرد إلى أهواء النفوس، بل إلى الشريعة».
من أجل ذلك فإن الإمام الأوزاعي يقول «من أخذ بنوادر العلماء (فتاويهم الشاذة) خرج من الإسلام، ومما ينسب إليه قوله:
المال يذهب حله وحرامه
يوماً وتبقى بعد ذا آثامه
ليس التقي بمتق لإلهه
حتى يطيب طعامه وكلامه
وقال الحسن البصري: «ومازالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيراً من الحلال مخافة الوقوع في الحرام».
إذن فإن الأخذ بالرخص الفقهية جائز في حالات مثل:
1- عدم التكليف بما لا يطاق، وإن كان الأصل أن الدين لم يكلفنا بما لا يطاق، بل راعى هذا الجانب في الأصل، فلا يفسر مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم «لا تغضب» بأنه نهي عن الغضب، وهو من الفطرة لا فكاك عنها، بل نهي عما يستتبعه من آثار وأعمال طائشة.
2- رفع الحرج والمشقة لقوله تعالى «ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج» (المائدة: 6).
3- تشريع ما تدعو إليه العقول السليمة والأذواق النظيفة، فلا يفهم من تحريم سماع الأغاني بأن الدين يحرم الأصوات الحسنة والاستمتاع بالأشياء الجميلة، بل لما يترتب عليها من اختلاط ومجون وفسق، فالدين سمح بالغناء في الأعراس، وسمح لعائشة بأن تنظر إلى الأحباش وهم يرقصون في يوم العيد.
4- سئل ابن عباس رضي الله عنهما يوماً عن الفقه فقال : «هو علم الرخص» وهو يقصد بالطبع ما يجلب على الناس من يسر وتخفيف فيما شق عليهم بعيداً عن الأهواء وشهوات الدنيا.
ويؤيد هذا ما أورد ابن عبدالبر في التمهيد عن محمد بن يحيى بن سلام عن أبيه قال : «ينبغي للعالم أن يحمل الناس على الرخصة والسعة ما لم يخف الإثم» (انظر الرخصة الفقهية من الكتاب والسنة للدكتور محمد الشريف الرحموني
ج 1 ص 4-10).

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى