قضايا ودراسات

تحديث المعجم الإعلامي

خيري منصور

ليس الخطاب الديني وحده ما يحتاج إلى تجديد أو تحديث بعد أن تراكمت عليه إضافات ساهم الصراع الإيديولوجي في ابتكارها، فالخطاب الإعلامي أيضاً يحتاج إلى مثل هذه المراجعة، بعد أن أصبح ينوء بحمولة ثقيلة راكمتها العقود الخمسة أو الستة الماضية، بحيث أصبح للإعلام معجم يعج بمفردات لا تليق بثقافة الحوار وأدبيات الاختلاف. وإذا كان البعض من العرب يشكون من الدراما التلفزيونية وبعض الأفلام التجارية لأنها تستخدم قاموساً من المفردات له تأثير سلبي تربوياً وأخلاقياً، فمن باب أولى أن تكون الشكوى من إعلام المصارعة الحرة، أو ما يمكن تسميته صراع الديكة على الهواء!
ومن مهام الإعلام أن لا يخلط حابل الاختلاف بنابل الخلاف، وأن لا يكون انفعالياً لأنه أصبح يدخل كل البيوت ويشاهده الناس من مختلف الأجيال.
وهنا ينبغي التفريق بين مفهومي التجديد والترميم قدر تعلقهما بأي خطاب له صلة بالأفكار، فالترميم يسعى إلى الحفاظ على كل ما هو موروث كما هو، أما التجديد فهو بحث في الممكنات الهاجعة في المرجعيات وجعل التأويل بمعناه الفقهي الدقيق بديلاً للتقويل الذي يفتري على النصوص أو يحملها ما لا تطيق تلبية للنوايا!
وكما تدخل الدراما المتلفزة إلى البيوت وغرف النوم فإن كل ما يفرزه الإعلام يدخل أيضاً بلا أية عوائق أو مصدات، ما يتطلب في الحالتين وضع حد لهذه المتوالية من المفردات المستعارة من معجم الهجاء الجاهلي.
ويبدو أن معظم الخطابات السائدة في حياتنا تحتاج إلى إعادة نظر لفرز الشحم عن الورم كما قال شاعرنا المتنبي ولفرز القمح عن الزؤان كما تقول الأمهات القرويات حين تهز أيديهن الغربال بحنان كما لو كان مهد طفل!
أصبح من الواضح أن اللجوء إلى الصوت العالي أو الانفعال هو بمثابة تعويض عن غياب المحتوى. وكم هي عبقرية هذه الأبجدية التي جعلت الفارق الوحيد بين الحوار والخوار أو صوت الثيران مجرد نقطة هي على الأرجح من دم!

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى