قضايا ودراسات

تحصين الذات القومية

خيري منصور
أسباب عديدة لا يختزلها الموقع الجغرافي أدت إلى أن يكون هذا الوطن العربي عرضة على امتداد التاريخ لموجات الغزو، فقد جرَّبت أسواره وقلاعه وثغوره مختلف أنواع الأسلحة من السيف والمنجنيق إلى المدفع والدبابة والطائرة.
فهل كانت نعمة موقعه الاستراتيجي نقمة عليه؟ وهل كانت ثرواته في باطن الأرض وعلى سطحها سبباً لإسالة لعاب الأباطرة والطامعين؟
لقد كتب الكثير باللغة العربية عن هذا الشجن القومي المزمن، لكن هناك كتابات لمؤرخين من ثقافات ولغات أخرى حاول أصحابها إنصاف العربي من خلال تقديم أطروحات مضادة لما سمي الاستشراق الكلاسيكي أو الكولونيالي. فما كتبه أرنولد توينبي البريطاني وأزوالد اشنجلر الألماني وجاك بيرك الفرنسي وغيرهم من أبرز مؤرخي عصرنا هو في نهاية المطاف شهادات يعتد بها لأمة قاومت ودافعت عن لغتها الخالدة وتراثها الإنساني، فهي ما إن تكبو حتى تقوم كالجياد التي تنسب إليها، وكل ما بذل من محاولات لإفقاد العربي ثقته بنفسه ونسبه التاريخي وموروثه انتهت إلى الفشل، وحين كتب أرنولد توينبي عن نظرية التحدي والاستجابة التي أسس عليها مفهومه للتاريخ كان للعرب نصيب من هذه النظرية، لأنهم استجابوا بشكل فذ لتحديات البيئة بدءاً من الصحراء، ولتحديات التطور بمختلف أشكاله، فعبروا من الألفية الأولى إلى الثانية فالثالثة بكامل حمولتهم الثقافية والديمغرافية.
ومن هاجر منهم إلى الغرب لم يتحولوا إلى مجرد لاجئين أو لائذين ومنهم من تحول إلى ملاذ وملجأ على الصعيد العلمي فنالوا اعترافات تدين لهم بالفضل، وحين نسمع أو نقرأ دعوات لإعادة النظر في مناهج التعليم أول ما يتبادر إلى الذهن هو هذا التاريخ الذي أوشك حابل التلفيق فيه أن يختلط بنابل الحقيقة، ولا نتصور أن هناك ثقافة أو حضارة في التاريخ امتازت كالحضارة العربية بدينامية الامتصاص والدمج وأخيراً التعريب، مما يفرض على المثقف العربي الوريث ألا يتبنى طواعية ما يقال عنه، وهذا ما حذَّر منه مفكرون من أمثال مالك بن نبي وفرانز فانون قبل عقود!!Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى