مقالات عامة

تحليل مخاوف القوة

عبد اللطيف الزبيدي

ماذا لو جربنا علم النفس في التحليل السياسي؟ «يا تصيب، يا تخيب». ها نحن كسبنا أجراً واحداً إذا أخطأنا، «والعذر عند كرام الناس مقبولُ». العالم اليوم أمام احتدام هجومي في سلوكيات الإدارة الأمريكية: إقالات عنيفة، تقابلها تعيينات مخيفة، مفعمة بالإشارات إلى ما وراء أكم السير الذاتية ودلالاتها، فهل على المحلل المتروي أن يستبعد الصورة الكاريكاتورية في الكواليس، والسخرية الكامنة في الكوابيس؟
سؤال بسيط: هل الولايات المتحدة خائفة؟ الجواب السهل: ثمة مليون برهان على أنها تستطيع أن تجعل الكوكب كرة رماد وهباء، فمن السذاجة توهم أن لديها هواجس أمام مستقبلٍ لم تعد مطمئنة إلى ما يخبئه لها. لكن على طاولة الواقع معطيات مختلفة تماماً، متضاربة مع المليون دليل: ما الذي يجعل الأقوى والأقدر والأوفر معلومات، يصل إلى نقطة اللاعودة على صعيد التعايش السلمي؟سلوك يدل على تفكير غير واقعي، تقليدي قديم بالٍ، القولُ على مسرح الحاضر: أنا أو لا أحد، كلامي «هو اللي يمشي». لم يعد مجدياً ضرب الصغار لتطير قلوب الكبار، على طريقة المثل التونسي: «اضرب القطوسة، تتربى العروسة». لا نقول إن ما نراه من مؤثرات إخراجية في تصعير الخد، هو ضرب من «كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد»، فالصواب هو أن الأسد صار محتاجاً إلى لبدة إضافية مستعارة أكبر، عندما ظهرت في السباسب ليوث أخرى.
منشأ الخوف تحديات تتكاثر وتتناثر، فالإمبراطورية هواجسها في محلها. الإمبراطور كاليجولا (مسرحية ألبير كامو) يقول: «نزول السلم أصعب من صعوده». فقدان الموقع الأول كارثة تهون دونها الكوارث العالمية: «فلا نزل القطر». اقتصادياً، ديون تجاوزت العشرين تريليوناً وتعدت الناتج القومي الإجمالي، ودولار تتراجع هيمنته في التبادل التجاري. دولياً، لم يعد الترغيب والترهيب يجديان في فرض الإرادة. سلاحياً، اتسعت دائرة التنافس، لا روسيا لُقمة سائغة ولا الصين. دبلوماسياً، انحدر المستوى إلى حد قبول الضرغام التفاوض مع جرو في الشرق الأقصى. علمياً وتقانياً، نحن في عصر شيوعية العلوم والتقانة. أخيراً أخلاقياً وحضارياً، باتت كل القيم الإنسانية في سلة مهملات «سيد العالم بحاله». هي ذي المتتاليات التي تثير المخاوف جراء فقدان المهابة والصدقية. القوة أيضاً لها عود ثقاب يوسف وهبي. حين يبحث التفكير الموضوعي عن أسباب السلوكيات الحقيقية، التي لا يبدو فيها أي توازن ومنطق، لا يبقى غير تفسير ما يجري بأنه نابع من مخاوف جدية، وهذا هو ما يتهدد السلام العالمي.
لزوم ما يلزم: النتيجة التحذيرية: الاحتماء بالخائف يوقع صاحبه في الابتزاز والتضحية به.

abuzzabaed@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى