قضايا ودراسات

ترامب و«السترات الصفراء»

يونس السيد

يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أكثر المهتمين باحتجاجات «السترات الصفراء» في فرنسا، والتي تحوّلت إلى ظاهرة ربما تجتاح معظم القارة الأوروبية، سعياً لاستغلالها في ممارسة المزيد من الضغوط على فرنسا والاتحاد الأوروبي بشأن التجارة والنفقات العسكرية، مقابل الحماية العسكرية التي توفرها الولايات المتحدة.
في نبرة لا تخلو من الشماتة، يوجّه ترامب كلامه للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالقول إنه يتابع عن كثب تظاهرات «السترات الصفراء»، معتبراً أن هذه «التظاهرات الكبرى والعنيفة في فرنسا لا تأخذ في الاعتبار إلى أي مدى عوملت الولايات المتحدة بشكل سيّئ من قبل الاتحاد الأوروبي حول التجارة أو حول نفقاتنا العادلة والمنطقية لضمان حمايتنا العسكرية». ويضيف: «علينا معالجة هذين الموضوعين قريباً». لكن ترامب الذي بدا وكأنه يغرّد في مكان آخر، يدرك أنه لا علاقة لهذه الاحتجاجات بالتجارة والنفقات العسكرية إلا من زاوية الحصول على المزيد من الأموال، وفق نظريته الشهيرة القائمة على قاعدة «ادفع مقابل الحماية»، وبالتالي فإن هذه القاعدة سترتد سلباً على المحتجين أنفسهم، لأنهم هم من سيقومون بعملية الدفع على شكل ضرائب إضافية، ما يعمّق الأزمة، فيما هم يتظاهرون احتجاجاً على سياسة ماكرون الاقتصادية والضرائب الإضافية التي أدّت إلى ارتفاع أسعار المحروقات.
ومن هذا المنطلق، يمكن فهم لماذا يعارض ترامب إنشاء جيش أوروبي موحّد، ويريد الإبقاء على تبعية القارة العجوز للولايات المتحدة. لكن رهان ترامب على إمكانية حدوث «ربيع أوروبي» على غرار ما حدث في الشرق الأوسط، والمنطقة العربية تحديداً، يبدو أمراً بعيد المنال، ذلك أن الانتفاضات الأوروبية حدثت وانتهت منذ زمن بعيد، وأنتجت ثقافة مختلفة مغايرة تماماً لما يرغب به ترامب، وهي في جوهرها وفي أغلبيتها الساحقة مناقضة لتبعية أوروبا للولايات المتحدة. وإذا كان ثمة من يعتقد أن صعود اليمين الأوروبي، وتسلّمه السلطة، وهذا وارد في بعض دول الاتحاد، سيقود أوروبا للالتقاء مع مصالح واشنطن فهو واهم، لأن اليمين نفسه متمسك بالخصوصية الأوروبية في هذا المجال.
وبالعودة إلى حركة «السترات الصفراء»، فهي تبدو احتجاجات شعبية شبه عفوية غير مرتبطة لا باليمين ولا باليسار، وإن كان كلا الطرفين يحاول ركوب الموجة والتأثير فيها بما يخدم مصالحه، وهذا ما تحاول السلطات الرسمية الفرنسية تصويره، لكن الأمر برمّته يتعلّق بمدى استجابة هذه السلطات للمطالب الشعبية. زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان اعترفت بأنها دعت إلى التظاهر، ولكنها رفضت اتهامها بالدعوة إلى العنف، فيما رأى جان لوك ميلانشونن زعيم كتلة حزب «فرنسا المتمردة» اليساري المتطرف، أن قلّة من اليمين المتطرف تشارك في الاحتجاجات، و«الحقيقة هي أنها تظاهرة ضخمة للشعب». المسألة كما لخّصتها إحدى المتظاهرات: «لم نعد قادرين على العيش عندما ندفع ما يترتب علينا. أشعر بغضب كبير. إنهم يقودوننا إلى الفقر».

younis898@yahoo.com

زر الذهاب إلى الأعلى