غير مصنفة

ترتيبات الحل الروسي بين الواقع والممكنات

حسام ميرو

بعد معركة حلب، قبل عام تقريباً، والتي حسمها التدخل الروسي، وعدّت فيما بعد نقطة فارقة في الواقع الميداني، أصبحت موسكو أكثر وضوحاً في تفضيلها حلولاً بعيداً عن المرجعية الأممية، وقد ترجمت رؤيتها بداية عبر مفاوضات أستانة، التي سعت من خلالها إلى تخفيض الصراع العسكري، ورسم الحدود بين الأطراف المتقاتلة، وتخفيض عدد الفصائل المسلحة المعارضة، وقد نجحت عبر اتفاق «خفض التصعيد» إلى حدٍّ كبير فيما سعت إليه، وبالفعل شهد عدد الفصائل انخفاضاً كبيراً، حيث اضطر بعضها إلى حل نفسه، وبعضها الآخر ذهب نحو الاندماج مع فصائل أخرى، وهو ما سهل إلى حدٍّ كبير إمكانية التفاوض مع الفصائل، والوصول إلى تسويات.
كانت روسيا منذ بيان «جنيف 1» في 30 يونيو/ حزيران 2012 رافضة لفكرة الانتقال السياسي بوصفه نقلة واحدة على رقعة الشطرنج، وهو ما جعل الخلاف في تفسير البيان يسود على طول الخط مع الإدارة الأمريكية، بالإضافة إلى الخلاف مع الدول العربية والأوروبية الداعمة آنذاك للمعارضة السورية، وبقيت موسكو تروّج لفكرة انتقال سياسي يقوم على خطوات عديدة، ليس من بينها استلام وتسليم للسلطة، وأصبح موقف موسكو أكثر وضوحاً بعد دخولها العسكري المباشر، الذي أحدث فرقاً نوعياً في سير المعارك، وعزز من رؤيتها إلى الحل، والتي تقوم على نقطتين أساسيتين، هما: كتابة دستور جديد، وإجراء انتخابات، مع ترك الباب مفتوحاً أمام الأسد للترشح.
وعلى الرغم من وجود مرجعية أممية، ممثلة بقرار مجلس الأمن 2254، الذي نصّ على «تشكيل حكومة انتقالية، وإجراء انتخابات برعاية أممية»، إلا أن موسكو لم تدعم فعلياً مفاوضات جنيف، والتي وصلت إلى نسختها الثامنة من دون أي تقدّم يذكر، ولم تقم بأي ضغط جدي على النظام السوري، فمجريات الجولات كافة تشير إلى مراوغة وفد النظام، ما يعني فعلياً أن موسكو نفسها غير راغبة بأن تكون مفاوضات جنيف ذات مغزى، لمصلحة مسار آخر تخطط له موسكو، وتنسق بشأنه مع الدول الإقليمية، من أجل فرضه كأمر واقع.
تعتقد موسكو بأنه لا يمكن ضمان مصالحها في سوريا إلا من خلال المحافظة على بنية النظام القديم، وأن المحافظة على ما تبقى من الدولة يقتضي المحافظة على بعض أهم رموز النظام، وبالتالي فإن تصميم أي حل يجب أن يضمن فعلياً بقاء عدد من الرموز، ومشاركتهم في المستقبل السياسي والإداري لسوريا المستقبل، وهو ما لا يمكن أن يتم فعلياً عبر مفاوضات جنيف، وبالتالي فإن مؤتمر سوتشي، والذي لم يحدد له موعداً بعد، هو الآلية التي تعتقد موسكو بأنها كفيلة بإنتاج حل سياسي على مقاييس مصلحتها ورؤيتها.
إن طيفاً واسعاً من المعارضة السورية بات مقتنعاً بدور موسكو المحوري في رسم الحل السياسي، وقدرتها على إلزام مختلف القوى به، خصوصاً مع التوافقات التي أجرتها موسكو مع أنقرة وطهران، لكي تساعدانها على إعادة هيكلة قوى المعارضة والقوى المجتمعية من أجل تأمين مشاركتها في مؤتمر سوتشي، وهو ما ظهرت بعض ملامحه من خلال مؤتمر العشائر الذي أنهى أعماله مؤخراً في إسطنبول.
لكن، ومع كل الوقائع السياسية التي تؤكد محورية موسكو في الحل السياسي، وإمساكها بأوراق داخلية وإقليمية، إلا أن ما يجري من تحضيرات لمؤتمر سوتشي توضح بأن موسكو لا تأخذ بالحسبان أن منطق المحاصصة الذي تسعى إليه لا يمكنه القفز عن عدد هائل من المعضلات في الواقع السوري، فثمة ملفات كبيرة يجب التطرّق إليها قبل أي حل، وتوضيح موقف موسكو منها، وما هي الخطوات العملية لتحقيق انفراجات مهمة فيها، فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن ملف المهجرين في دول الجوار (هناك حوالي 6 مليون لاجئ سوري في دول الجوار، تركيا، ولبنان، والأردن، والعراق)، يشكل أحد الملفات الإشكالية في الواقع السوري، وليس واضحاً كيف يمكن إعادتهم إلى مدنهم وبلداتهم، كما أن ملف الميليشيات والفصائل غير السورية التي قاتلت إلى جانب النظام ما زال مسكوتاً عنه من قبل موسكو، وهو الآخر سيقف حجر عثرة في استعادة الحياة السياسية والمدنية في سوريا.
إن امتلاك موسكو القوة يجعلها لاعباً حاسماً في الحل السياسي، لكن القوة وحدها من دون خريطة طريق حقيقية تغدو فاقدة لأي مغزى. وربما من المفيد الاستفادة من التجربة العراقية، فقد امتلكت أمريكا قوة هائلة في العراق لكنها لم تمتلك رؤية صائبة، فهل تسير موسكو اليوم على خطى واشنطن في العراق، أم ثمة استفادة من دروس الأمس القريب؟

husammiro@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى