تسويات كبرى في الأفق
عبدالله السويجي
على الرغم من قرع طبول الحرب أو التلويح بها في أكثر من مكان في العالم، إلا أن عمق الأخبار وليس ظاهرها ينبئ بالذهاب إلى تسويات كبرى، ومن الطبيعي أنها لن تتحقق بين ليلة وضحاها نظراً لملفاتها المعقدة، وتدخل أكثر من طرف محلي وإقليمي ودولي، إلا أنها الحل الوحيد للتخلّص من التوتّر الذي يسود أكثر من منطقة في العالم، لأن الخيار الآخر، وهو الحرب، سيعقّد الأزمات أكثر ولن يحلّها.
فالحروب التي نشبت في السابق، وأهمها الحربان العالميتان، وما نتج عنهما من اتفاقيات، هي بالأحرى، اتفاقيات تقاسم الغنائم، مثل اتفاقية سايكس بيكو، التي قام من خلالها الحلفاء المنتصرون على الإمبراطورية العثمانية بتوزيعها فيما بينهم، من خلال الوصاية أو الانتداب وأشكال أخرى من السيطرة على ثروات وموارد الشعوب الطبيعية، يصعب أن تتكرر، بمعنى، يصعب الآن قيام دولة باحتلال دولة أخرى وفرض الوصاية عليها، نظراً لصعوبة الأمر لوجستياً وعسكرياً، بل إن الطرح الذي قدمته الولايات المتحدة في عهد ترامب لحل قضية الشرق الأوسط، ومن ضمنها القضية الفلسطينية، من خلال صفقة القرن، لن يتحقّق للأسباب ذاتها، فالصفقة تتضمن استقطاع أراض من هنا وضم أراض هناك لإيجاد كيانات جديدة.
إن هذا النمط من الحلول الذي يشبه لعبة الشطرنج، لم يعد صالحاً في القرن الواحد والعشرين، قرن الأقطاب المتعددة، وانتشار السلاح النووي والأسلحة الفتاكة حتى بين أيادي الجماعات المسلحة، إضافة إلى أنه بعيد عن المنطق لأنه يمس الجغرافيا الثابتة لكل دولة. وقد تكون الأزمات التي يعيشها العالم الآن هي نتاج الاتفاقيات التي فرضها المنتصر على المهزوم، والتي أدت إلى دمج الأعراق وقضم الأراضي وسلب الخيرات واللعب بالحكومات.
لعل الأزمات التي تهدد العالم الآن هي ما نتج عمّا سُمّي بالربيع العربي، ومهما حدث في دول مثل العراق وليبيا ومصر، إلا أن الأمور في طريقها إلى الاستقرار وتحقيق السلام بين الجهات المتحاربة، لاسيما في ليبيا والعراق ومصر. وتبقى سوريا التي لا يزال فيها تنظيم داعش وجماعات أخرى مسلحة تسيطر على بعض المناطق. وفي اللحظة التي تلتقي فيها قيادات سوريا وتركيا وتتحقق المصالحة بين البلدين، سيتم حل القضايا الأخرى تلقائياً. ويبقى أيضاً اليمن والتوتر على الحدود بين لبنان وإسرائيل، وهذا مرتبط بشكل العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران، إذ فور توقيع الاتفاق النووي بين البلدين ستنعكس آثاره على الوضع داخل اليمن، وعلى التوتر الحاصل بين لبنان وإسرائيل، وقد ينعكس على الأزمة الاقتصادية اللبنانية ذاتها، وربما ينعكس أيضاً على العلاقة بين سوريا وإسرائيل، لأن الشد والجذب في المفاوضات الحالية، وفق التسريبات، لا يمس الاتفاق النووي ذاته، وإنما تحديد مناطق النفوذ الإيرانية والأمريكية.
وعالمياً، هناك تفاهمات غير معلنة، كما يبدو، بشأن موضوع أوكرانيا، وكذلك موضوع الصين وتايوان، هذه القضية لا تتحرك إلا إذا أقدمت الولايات المتحدة على فعل شيء ما في المنطقة، وما دون ذلك، فالأمر الواقع مثّبت ضمن تفاهمات دولية، وهذا ما تشرحه مجريات الأحداث في السابق.
بطبيعة الحال، المشهد ليس بهذه السهولة، إلا أن الخيارات الأخرى محدودة جداً وتكاد تقتصر على السلام، أو إبقاء الوضع على ما هو عليه. ثم إن بعض الجهات العالمية تعتاش على صناعة التوتر في العالم لأهداف اقتصادية بحتة، بما أن رأس المال العالمي هو الذي يحرك السياسات ويشعل الحروب أو يطفئها. وطالما بقيت شركات ما وراء البحار تتحكم في العالم، فإنه لن يحظى بالسلام الدائم، وهذا موجود منذ نشوء المجتمعات والدول والإمبراطوريات. فهل يحتاج العالم إلى نظام اقتصادي جديد ليحظى بالسلام؟ هذه قضية كبيرة تحتاج لمؤتمرات أكبر، لكن العالم لم يمر في أي حقبة من الحقب بوجود توازن الردع، وهذا ما يجعلنا متفائلين بوجود تسويات كبرى في الأفق.