قضايا ودراسات

تضييق الفوارق

التوطين حق مشروع لا يجادل فيه أحد إلا إذا كان غائباً عن الوعي، فالأصل أن يعمل المواطن ويؤمن يومه وغده، حاضره ومستقبله، وأسرته الكبيرة، وزوجته وأولاده، وهو بالضبط ما تؤمن به الحكومة وتعمل ليل نهار على أن يبقى استراتيجية عمل، وأولوية متقدمة مطلقة، وسياسة الدولة التي ترفع شعار كل خيرات البلاد لمواطنيها أولاً، ولكل محتاج ثانياً، وهي على حق بطبيعة الحال.
لكن السياسات المتبعة في تمكين المواطن من كل مفاصل العمل والإنتاج في البلاد، خاصة في القطاع الخاص، مازالت لم تعط النتائج المرجوة منها، رغم الاهتمام الكبير بتنفيذها، وقد يكون السبب الأكثر تأثيراً في هذا المقام، هو الامتيازات الكبيرة التي تعطيها الحكومة لموظفيها المواطنين، والتي تعجز مؤسسات القطاع الخاص عن مجاراتها، لأن كلاً منهما يسعى إلى تحقيق هدف مختلف.
والقطاع الخاص من مسماه تستدل على عنوانه وسياساته، فتحقيق مصلحة صاحب العمل هو الهدف الأول والأخير، وجني الأرباح بكل السبل المشروعة استراتيجية عمل، من خلال زيادة ساعات العمل، وارتفاع حجم العمل المطلوب من الموظف كماً ونوعاً، وتقليص أيام الإجازات الرسمية والأعياد، ليستمر الموظف في الخدمة والإنتاج، ومع تقنين الرواتب إلا في أضيق الحدود، وهذه السياسة مشتركة لكل قطاعات العمل الخاص في كل البلدان، ومن خلالها يكبر رأس المال ويتضخم إلى أن يصبح ثروات لا حصر لها.
سياسة إلزام مؤسسات القطاع الخاص بنسب توطين معينة مطلوبة للضغط عليها، لكنها ليست الهدف الذي نتمناه، فعيوننا على المواطن أولاً وأخيراً، الذي قد تقبل به المؤسسة وتوظفه، وتمنحه راتباً محترماً يرضيه، وتهمشه فتمنحه مسؤوليات عمل محدودة، رافعة شعار أن لدينا مواطناً، في حين يخسر الموظف المواطن لديها أيما خسارة، وهو لا يحقق ذاته، ولا يطور قدراته وملكاته، ولا يبدع رغم أنه يريد مخلصاً أن يخدم بلده ويساهم في تنميته وتقدمه إلى الأمام.
يجب البحث عن كل السبل التي تقلص الفوارق بين امتيازات العمل الحكومي والخاص، حتى يتشجع المواطن على سبر غوره، وتحقيق ذاته فيه، تماما مثل الحماية المطلوبة لاستثمار المواطن بأمواله في القطاع الخاص، فتحميه قوانين الدولة من المنافسة الأجنبية غير المتكافئة، وتصد عنه الطامعين والنصابين والمخادعين.
المواطن في كل مواقع الإنتاج والخدمات هدف مشروع، وقيادته لكل موقع بناء وتنمية وتطوير حق يجب ألا ينازعه عليه أحد.

ابن الديرة
ebn-aldeera@alkhaleej.ae

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى