مقالات عامة

تعميم أم تعمية؟

خيري منصور

كما ينتج التضخم بالمعنى الاقتصادي تعويماً للعملات، وبالتالي للأسعار فإن التضخم في استخدام المصطلحات بمناسبة وبغير مناسبة ينتج تعويماً في دلالات الكلمات، فالتعميم والتعويم يرتبطان جدلياً في معظم سياقات حياتنا، ولأكثر من نصف قرن استخدم في الإعلام مصطلح النظام السياسي العربي، ويوحي هذا الاستخدام بأن هناك في المقابل ما يمكن تسميته النظام الشعبي، والحقيقة أن ما يسمى النظام العربي لم يكن ذات يوم متجانساً، وكان فيه مناهج مختلفة وأحياناً متناقضة، لهذا ظهرت مفردات كالتقدمي والرجعي واليساري واليميني والاشتراكي وشبه الرأسمالي!
وما حدث عربياً خلال عدة عقود هو أن هناك نظماً بددت ثرواتها وطاقاتها في حروب وصراعات محلية، وهدمت ما ورثت عن نظم كانت تصنف بأنها رجعية ومتخلفة.
وبالمقابل هناك نظم كرست الثروة من أجل التنمية التي شملت التعليم والتصنيع والتمدين، لهذا ليس من الجائز بكل المقاييس أن توضع كل تلك النظم في قارب واحد أو سلة واحدة، ولا يكفي أن يكون القاسم المشترك الوحيد بينها كونها عربية!
وهناك قضايا فكرية عديدة انتهى السجال حولها إلى آفاق مسدودة بسبب التعميم الذي أدى إلى التعويم لأن من يحاولون استرضاء كل الأطراف يكون ذلك على حساب الحقيقة.
وإذا صح ما يقال إن الأشياء تقاس بنتائجها فإن المشهد العربي الراهن يقدم المثال.
فهناك عواصم دمرت وأخرى أعيدت إلى ما قبل الكهرباء وما قبل الدولة!
وبالمقابل هناك عواصم نمت وتمدنت وأسهمت في مشاريع حضارية وثقافية على النطاق القومي.
وكما أن صفة طبيب لم تعد تكفي إذ لابد من وصف تخصصه ومجاله فإن مصطلح النظام العربي لا يكفي أيضاً، بل هو مضلل إلى حد ما لأنه يمزج الأخضر باليابس والسعادة بالشقاء والادعاء بالممارسة.
لكن كل هذا لا ينفي وجود سقف قومي وهوية يتنفسها الجميع، وما يجب الاعتراف به بلا مواربة هو دور التعميم في التعمية!

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى