مقالات عامة

تغريبة ترامب

يونس السيد

«استفيقي يا أمريكا.. كوني أكثر ذكاء.. إنهم يضحكون في موسكو حتى الغثيان». بهذه الكلمات رد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في تغريدة له عبر«تويتر»، على تزايد التحقيقات وجلسات الاستماع في الكونجرس الأمريكي حول التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، مذكراً بأنه إذا كان هدف روسيا خلق الفوضى وزرع الشقاق داخل الولايات المتحدة، فإنها قد حققت نجاحاً يفوق أقصى ما كانت تحلم به.
هذه النتيجة التي خلص إليها ترامب تدفعنا للعودة قليلاً إلى الوراء، وبالذات إلى حملته الانتخابية ورحلته الطويلة، التي كانت أشبه بالتغريبة في الشرق، بما تخللها من صخب وإثارة ورهانات، وصلت إلى حد المطالبة باستقالته من قبل الشخصيات الأكثر نفوذاً داخل حزبه «الجمهوري» قبل أن يعود هؤلاء إلى تأييده لاحقاً. واستمرت بعد وصوله إلى البيت الأبيض، على خلفية طروحاته وقراراته المثيرة للجدل، ومنها ما يتعلق بالهجرة، أو الانكفاء الداخلي تحت شعار «أمريكا أولاً»، وتخليه عن الكثير من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وحتى التفكير بالتخلي عن حلف «الناتو» لحساب إعادة بناء «أمريكا قوية»، ما أثار مخاوف الشركاء الاستراتيجيين، ودفع المحللين إلى الحديث عن تراجع الدور القيادي لواشنطن في الساحة العالمية.. إلا أن قضية الدور أو التدخل الروسي في الانتخابات هيمنت على كل ما عداها من قضايا، وأصبحت الشغل الشاغل للرأي العام والنخب السياسية الأمريكية، خصوصاً بعد أن أطاحت التحقيقات برؤوس كثيرة في القضاء وأجهزة الاستخبارات وحتى في البيت الأبيض.
بهذا المعنى، وجد ترامب نفسه مضطراً لإطلاق صرخة «الاستفاقة» من حالة الغرق في فوضى التحقيقات والاتهامات المتبادلة، خصوصاً بعدما وجه القضاء الأمريكي رسمياً، قبل أيام «الاتهام إلى 13 روسياً بينهم مقرب من بوتين بالتدخل في الانتخابات لتسهيل فوزه على المرشحة الديمقراطية، لافتاً إلى أن التدخل الروسي الذي خصصت له ملايين الدولارات بدأ في عام 2014، في وقت عادت أجهزة الاستخبارات لاتهام موسكو وتحذيرها من تدخل روسي جديد، مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية النصفية في نوفمبر المقبل».
ترامب الذي وجد الفرصة متاحة لتحميل أجهزة الاستخبارات بعض المسؤولية عن مذبحة فلوريدا الأخيرة، يعترف ضمناً بالتدخل الروسي، لكنه يصر على عدم تواطؤ حملته الانتخابية مع موسكو، ويبرر ذلك على النحو التالي «أنا لم أقل يوماً إن روسيا لم تتدخل في الانتخابات.. قلت قد تكون روسيا أو الصين أو بلد آخر أو جماعة أو قد يكون عبقرياً يزن 180 كغ يجلس في سريره ويلعب بالكمبيوتر»، لكن مستشاره للأمن القومي ماكماستر يؤكد أن «الدلائل دامغة بالفعل» على التدخل الروسي، غير أنه يرى أن هذا التدخل لم يؤدِ سوى إلى اتفاق الجمهوريين والديمقراطيين على ضرورة معاقبة موسكو. فهل يستمر ترامب في هذه التغريبة، وهل تجد صرخته استجابة لدى الأمريكيين؟

younis898@yahoo.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى