مقالات عامة

تفريق ضروري

د. حسن مدن

يسعفنا التفريق الضروري بين أمرين مختلفين هما: الدولة والنظام، في فهم الكثير مما جرى في عالمنا العربي وما زال يجري حتى اللحظة.
الدولة، من حيث هي مؤسسات وبنى، تشكل لحمة المجتمع بكافة مكوناته، وضامن استقراره ووحدته، ويزداد أهمية ذلك في البلدان حديثة الاستقلال، حيث عمر الدولة فيها قصير قياساً بمثيله في البلدان التي ترسخت فيها مكانة الدولة، وباتت تملك استقلالية يعتد بها عن السلطة السياسية في معناها المباشر، فلا يؤدي مجيء رئيس جمهورية جديد، أو رئيس وزراء آخر، عبر صناديق الاقتراع بالطبع، إلى تغيير قواعد عمل أجهزة الدولة، ولا يمس بثوابتها، حتى لو كانت السلطة الجديدة تمثل نهجاً سياسياً نقيضاً للذي كانت عليه سابقتها، والتي هزمتها في الانتخابات، وفي الانتخابات وحدها، لا عبر انقلاب تنفذه مجموعة من الضباط.
الحاجة، إذن، إلى صون الدولة وضمان استمرارها في أداء وظائفها، أكثر أهمية وحساسية في بلدان هشة في بنائها السياسي، كونه ما زال طري العود، فعمره لا يتجاوز العقود، فيما عمر الدولة في البلدان المتقدمة يقاس بالقرون.
وبالمناسبة فإن الكثير من هذه الوظائف له طبيعة تقنية، إن جاز القول، ولا تقلل هذه الصفة من أهميتها، بل على العكس تؤكد حيويتها لاستمرار سير الحياة بصورة طبيعية في البلد المعني، وضمان ألاّ تتعطل مصالح المواطنين، وألا يفقدوا الشعور بالأمن على حياتهم وممتلكاتهم وأعمالهم.
دشّن الاحتلال الأمريكي للعراق السيناريو الذي ساد فيما بعد، فتَحتَ حجة إسقاط نظام صدّام حسين فكّك الأمريكيون بنى الدولة العراقية، باستهداف مرتكزاتها الأساسية، فبعد أن أمنوا سيطرتهم على منابع النفط، وأحكموا السيطرة على الوزارات ذات الصلة بعائداته، شرعوا في حل الجيش الوطني العراقي، الذي كان من أكبر وأقوى الجيوش العربية، ويعكس التنوع الإثني والطائفي القائم في المجتمع. وما لحق بالجيش لحق بالمؤسسات الأمنية وغيرها من أعمدة الدولة.
شيء مشابه حصل في ليبيا، ورغم أن نظام القذافي لم يبنِ دولة بالمعنى الذي نعرفه، ولكنه حتى بنظام «اللادولة» الذي كان يجاهر به، أقام تراتبية «مؤسساتية» من نوع ما، قامت، رغم خضوعها المطلق له، بتسيير شؤون البلد، وهذه التراتبية استهدفت من قبل حلف «الناتو» والمرتكزات المحلية التي استعان بها لتكمل على الأرض ما يفعله طيرانه من الجو.
ستستدرج بعض المعارضات العربية إلى هذه الحماقة، فلا تعود تفرق في نشاطها بين معارضتها للنظام السياسي القائم أو لشخص رئيسه والحلقة المحيطة به، ومؤسسات الدولة القابلة لأن تؤدي دوراً أقرب إلى الحياد تجاه الصراع الدائر، فحتى وإن لم تنحز إلى المعارضة، كما ترغب الأخيرة، فإنها قادرة على صون البلد المعني من التفكك والخراب والشلل التام، حين تطلق الأيادي لمافيات الحروب والميليشيات المنتفعة من الغنائم التي يوفرها لها استمرار الحروب.

madanbahrain@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى