قضايا ودراسات

تفكيك مفهوم البطل

خيري منصور
ربما كان دور الفرد في التاريخ من أكثر القضايا إثارة للسجال، ومن هنا تعددت وتباينت المقاربات النفسية والاجتماعية حول مفهوم البطل، وأحياناً ينسب قرن كامل إلى رجل كما فعل بعض المؤرخين عندما أطلقوا على القرن التاسع عشر اسم عصر بسمارك، رغم أن هناك مؤرخين حاولوا الابتعاد عن الشخصية لصالح المفاهيم من طراز هنري أيكن، الذي أطلق على القرن التاسع عشر عصر الإيديولوجيا وليس عصر بطل بعينه.
وهناك كتاب طريف عنوانه «حرف واحد هو «لوْ» تساءل مؤلفه عن مسار الأحداث في القرن العشرين لو أن هتلر مات طفلاً بالحصبة الألمانية أو أن شاحنة دهست ونستون تشرشل وهو في الطريق إلى المدرسة، أو أن الجنرال ديجول مات في منفاه ولم يعد إلى فرنسا، فهل كانت الأحداث ستمضي بالوتيرة ذاتها في غياب هؤلاء!
بعض المؤرخين الأقل حماساً لدور البطل الفرد يرون أن سياق الأحداث والظروف هي الرحم الذي يولد منه البطل، لهذا يصعب تكراره، وثمة آخرون أعطوا للفرد الاستثنائي دور البطولة في صناعة التاريخ. ويروى عن محمد علي باشا أن أحد مساعديه اقترح عليه قراءة بعض كتب التاريخ ومنها كتاب ميكافيلي الشهير بعد أن تتم ترجمتها؛ لكن الباشا سخر من مساعده، وقال له إنه متفرغ لصناعة التاريخ، ولا وقت لديه لقراءته!
والحقيقة أنه ما من بطل يولد من فراغ أو يأتي كنبات شيطاني بلا جذور، لهذا فإن أشهر الأباطرة في التاريخ ما كان لهم أن يولدوا في زمن آخر لأسباب عديدة منها التطور الثقافي وانعكاساته الاجتماعية والاقتصادية، إضافة إلى الظروف الوطنية التي تمر بها الأوطان.
وأقرب مثال إلينا البرامج المتلفزة التي تسلط الإضاءة مجدداً على زعماء عرب راحلين منهم؛ بل في مقدمتهم جمال عبد الناصر.
ومن هذه البرامج ما يعيد إنتاج الزعيم وفقاً للأهواء، ومنها ما يعزله عن السياق التاريخي لمرحلته وبالتحديد الحرب الباردة!
إن الخيال السياسي يتيح لنا أحياناً أن نسقط عواطفنا على البطل فنعطيه أقل أو أكثر من استحقاق!Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى