قضايا ودراسات

ثأر جغرافي

خيري منصور
لم يكن كتاب روبرت كابلان بعنوان انتقام الجغرافيا هو الوحيد الذي أنذر البشرية من كوارث قد لا تقوى على احتمالها. ورغم الأسماء الرقيقة وأحياناً الأنثوية التي حملتها الأعاصير المدمرة إلا أن الطبيعة لا تكترث بما يقال عنها ولها نواميسها وفيزياؤها الصارمة وما بدأ قبل زمن طويل من تحذيرات حول ما يترتب على ثقب الأوزون أصبح الآن واقعاً، كما أن الرصد الجوي لاندلاع الأعاصير لم يعد كافياً لتدارك الكوارث، وفي إعصار إيرما الذي يعصف الآن بولاية فلوريدا لم يؤد تهجير ستة ملايين إنسان إلى حسم الأمر، فهل للجغرافيا نوبات غضب عنيفة كما للتاريخ لحظات جنونه؟ أم إن ما ألحقه الإنسان بالرحم الذي ولد منه هو السبب؛ حيث تراكم الغضب حتى الانفجار؟
وما يقوله العلماء عن المستقبل يصيبنا بالهلع والقشعريرة، ما دام هذا الكوكب قد أصبح على حافة الهاوية فهو مهدد نووياً وجغرافياً ومناخياً، والطبيعة تعبر عن انتقامها؛ لأن انتهاكاتها تجاوزت كل الحدود والسيل تجاوز الزُّبى ولم يبلغها فقط كما يقول العرب في الأمثال!
لقد حملت أسلحة مدمرة وطائرات مقاتلة وقاذفة أسماء قريبة من الشعر، كالميراج والشبح. وسبق للأمريكيين وبالتحديد البيض منهم أن سرقوا أساطير الهنود الحمر، وأطلقوها على أسلحة وسيارات كأسطورة طائر الرعد الشهيرة والتي تقول إن هذا الطائر سوف يظهر في الأفق مبشراً الهنود الحمر بالخلاص!
هكذا إذن انتقمت القوانين ممن يجهلونها، وانتقم التاريخ ممن لم يقرأوه وكرروا أخطاءه. وأخيراً ها هي الجغرافيا تثأر لنفسها بعد أن ألقى الناس نفاياتهم في الماء الذي يشربون منه!
أما القادم الذي لم يعد مجهولاً بفضل العلماء فهو أعظم!Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى