ثروة «داعش»
صادق ناشر
تُركت لتنظيم «داعش» نافذة للعودة إلى مسرح الأحداث في المنطقة، وإن لم تكن عسكرية، وتمثلت هذه النافذة في الأموال التي قام بتهريبها إلى خارج المناطق التي سيطر عليها سابقاً، خاصة في العراق وسوريا، قبل أن يتم التخلص من هذه السيطرة بشكل شبه كامل، حيث تشير مصادر عدة إلى أن الأموال التي كدسها التنظيم عند هيمنته على المنطقة، تحولت لتصبح الوسيلة الأبرز لعودته إلى المنطقة، وإن بوسائل أخرى.
مجلة «إيكونوميست» سلطت الضوء على الأموال التي حصل عليها تنظيم «داعش»، ورأت أن الخسائر، التي تعرض لها لم تضع نهاية له، لأنه نجح في تخزين ملايين الدولارات التي ستساعده على تنفيذ مخططاته، بعدما خسر 98% من خلافته المزعومة، مشيرة إلى أنه رغم مقتل معظم أعضائه، لكن الآلاف منهم تمكنوا من الهرب من الشرق الأوسط، فيما بقي البعض في العراق وسوريا، مشيرة إلى أن المقاتلين ممن لديهم النية في الاستمرار، يمتلكون وسيلة تمكنهم من ذلك، حيث إن التنظيم أقدم على تخزين الملايين من الدولارات في المنطقة، بعدما استثمر في العراق، واشترى الذهب في تركيا، إضافة لتحويل الأموال إلى التابعين له بالخارج.
طوال الحرب التي شهدتها المنطقة، خاصة في سوريا والعراق ضد «داعش» كان الحديث يتركز بدرجة رئيسية حول الأموال التي تمكن التنظيم من الاستيلاء عليها عبر وسيلتين، الأولى بيع النفط إلى تجار بسعر أرخص من الأسعار المتداولة في السوق، والثانية عبر السطو على الأموال في البنوك العراقية والسورية ووضع اليد عليها بحكم سيطرته على المناطق والبلدات التي كان يصل إليها.
لذلك فإن ملايين الدولارات جرى تهريبها إلى خارج سوريا والعراق خلال فترة بقاء التنظيم ممسكاً بالأوضاع في المناطق التي احتلها لفترة ليست قصيرة، وقد تغير نهج التنظيم بعد خروجه بالقوة العسكرية، ولجأ إلى استخدام الأموال التي قام بتهريبها واستثمارها ليتمكن من العودة مجدداً إلى المناطق التي خسرها عبر شراء الولاءات بهدف إعادة ترتيب صفوفه من جديد، والبدء بحرب جديدة، وإن كانت بجلد ولون مختلفين.
وبالعودة إلى مجلة «إيكونوميست» فإنها تشير إلى أن تنظيم «داعش» حوّل مبالغ هائلة من مناطق سيطرته العام الماضي إلى تركيا عبر ما يعرف ب«نظام الحوالة»، وهي شبكة غير رسمية من مكاتب تحويل الأموال تتسم بأنها رخيصة وسريعة ويكاد يكون من المستحيل تنظيمها وإخضاعها للقوانين.
في المحصلة الأخيرة يمكن القول إن تنظيم «داعش» تمكن من رسم استراتيجية جديدة تقوم على قاعدة استثمار الأموال التي حصل عليها خلال فترة سيطرته على مناطق واسعة في كل من سوريا والعراق، والبدء ب«مشاغبات» ضد النظامين السوري والعراقي عبر استغلال الأوضاع في البلدين للعودة التدريجية إليهما بالمال بعد أن خسرها عسكرياً.
لذلك فإن للحديث عن التخلص من «داعش» عسكرياً لا يجب أن يغفل التأثير الذي يمكن أن تتركه الثروة التي حصل عليها في إعادة ترتيب أوضاعه في المناطق التي خرج منها بالقوة، فمن الواضح أن التنظيم يعيد ترتيب صفوفه ليبقى في المشهد، لكن بوجه آخر.
sadeqnasher8@gmail.com