ثقافة الاعتذار والتدارك
خيري منصور
هناك مقولة تنسب إلى سعد زغلول مؤسس وزعيم «حزب الوفد» المصري، هي أن البعض يغيرون مبادئهم بأسرع مما يغيرون ثيابهم الداخلية، وعلى الأغلب فإن من يفعلون ذلك هم الأكثر ادعاء بالمبادئ؛ لأنهم كما قال برنارد شو عن الذين يفرطون بالقسم بشرفهم بأنهم يتحدثون؛ بل يثرثرون عما يعتقدون أنه ينقصهم.
والمبادئ لها مكانتها وتقديرها شرط ألّا تتحول إلى أوثان؛ بحيث تأخذ العزة بالإثم من ورطه لسانه بموقف ما، ويصر على التشبث برأيه حتى النهاية.
رغم أن ثقافة نقد الذات والاعتذار هي من صميم المبادئ الحيوية، وغير المعلبة أو المجففة، ذلك لأن الإنسان ليس معصوماً؛ بل هو خطاء، ولا يتوقف نموّ وعيه عند مرحلة ما؛ بحيث يصبح محنطاً عندها!
وربما، لهذا السبب، تم تصنيف الأعمال الفكرية والفنية لفلاسفة وأدباء، تبعاً لمراحل العمر، فهناك مرحلة الصّبا، التي قد تتخللها مراهقة فكرية، وتليها مرحلة النضج، وبهذا المقياس فإن هيجل الشاب غير هيجل الكهل، وماركس الشاب غير ماركس، بعد أن قرأ التراث الإغريقي، وكذلك جورج لوكاتش وآخرين؛ لكن هناك فرقاً بين نقد الذات ومراجعة المواقف بين فترة وأخرى، وما وصفه سعد زغلول بتغيير الثياب الداخلية، فأن يراجع الإنسان موقفه بعد أعوام؛ بسبب النضج والاطلاع على تجارب الآخرين شيء آخر مختلف تماماً عن الذي يعيش حياته في ربع الساعة الأخيرة، ويميل مع الرياح، ثم يتذرع بحكمة الانحناء للعاصفة، رغم أن انحناءه كان لنسمة صيف عابرة!
والتعبير الحديث عن ثنائية المبادئ والمصالح هو التفريق بين التكتيكي والاستراتيجي أو بين الإجرائي والمؤقت، وما هو دائم.
وإذا كانت ثقافة نقد الذات والاعتذار في عالمنا العربي محدودة، ويمارسها البعض بتحفظ وعلى استحياء، فإن سبب ذلك هو الخشية من أن يُعيَّر ناقدُ ذاته بالتناقض، أو بتغيير المبادئ، وحين تتعمق وتترسخ ثقافة النقد والاعتذار، فإن هناك كوارث يمكن أن يتم تداركها قبل فوات الأوان!