قضايا ودراسات

ثلاثة أفضية..

ما الذي يجمع بين الفضاء الكاريبي أو أمريكا اللاتينية، والفضاء الإغريقي، والفضاء الداغستاني؟؟.. ثلاثة أفضية مفتوحة على ثقافات وحضارات مختلفة.. مفتوحة أيضاً على الخصوصيات الاجتماعية والميثولوجية والتاريخية.. والخصوصيات التالية.. مثل الزي، والموسيقا، والمعمار، والطعام، والعادات والمعتقدات والثقافة الشعبية.. ولسبب ما قد يكون جمالياً أولاً وأخيراً حضر فضاء الشعر ذي اللغة الكونية التي تشبه لغة الموسيقا في عالميتها، بل، وفي روحها الوارفة الظلال.

ترجم د. محسن الرملي، بلغة حميمية صافية، مختارات من الشعر الكولومبي المعاصر (100 قصيدة)، وهو يقربنا من هذا الفضاء الثقافي الكولومبي الذي هيمن عليه غابرييل غارسيا ماركيز، وكأن صاحب (مئة عام من العزلة).. هو كولومبيا بذاتها.. يقول د. الرملي: «..في السبعينات ظهر جيل جديد من الشعراء أطلقت عليه تسمية «الجيل الساخط»، أو الجيل الغاضب، غير الراضي أو الرافض، متأثراً بالتجارب العالمية في التجريب الشعري، وفي الوقت نفسه معبراً عن المرارة والإحباط واستيائه من الأوضاع العامة في البلاد سياسياً واقتصادياً، وثقافياً؛ حيث العنف يستشري في كل مكان..»، ولكننا في هذا الفضاء الكولومبي لن نذهب إلى العنف، فما أكثره وما أرخصه في العالم.. سنذهب مثلاً إلى المطر.. «..ثمة شيء ما في المطر.. موسيقاه المنهمرة على السقوف وتحملني صوب ذاكرة يديك..».. سنذهب أيضاً إلى الريح.. «.. إنها الريح.. أبصرتُ طفلاً بين المسافرين.. يرسم يراعة على أوراق الغابات».
يتشابه الريح والمطر.. والأطفال في كل العالم إذا لم يولدوا في مدن الديكتاتوريات والطغاة؛ ولذلك، عندما يكتب الشعراء بهذه اللغات الإنسانية والطبيعية، فهم أيضاً يتشابهون.
هل تختلف رقة « رسول حمزاتوف» عن رقة شعراء الكاريبي المولعين بالمطر والريح والأغاني ومزارعي الكاكاو..؟؟ ليس ثمة من اختلاف ما دامت قلوب الشعراء هي بيوت للموسيقا.. يقول صاحب «داغستان بلدي».. «في أوتار عودك الثمانية.. تنساب ثمانية آلاف نغمة..».. ويقول في ذروة الشعر أو في ذروة الحب: «..لولاك كان العالم مغارة من الظلمات..».. يضيف أيضاً.. «لولاك كان العالم بحراً لا زرقة فيه.. ولا رطوبة خالدة، ولا حركة لا نهائية.. وليس غريباً على رسول حمزاتوف أن يتحدث بهذه الحرارة عن الحب طالما قبيلته (الآفار) تعتقد أن الشاعر خلق قبل خلق العالم بمئة عام».
أما الفضاء الإغريقي فهو فضاء الفلسفة والحكمة والأسطورة.. وما من أسطورة إلا وكان الشعر حليباً طفولياً لصناعها سواء أكانوا فرساناً أم كانوا شعراء.
نقل محمد بن صالح كتاباً بعنوان «قصيدة الإغريق» إلى العربية، بلغة صافية أيضاً، وفي الكتاب شذرات من الساخر «ديمقريطس».. شذرات يتمازج فيها الشعر، مع الفلسفة، مع الحكمة، مع التأمل:.. يقول.. «قد أنقذ حياته، من أصابه الندم من أفعاله المخجلة»،
..ترى.. في زماننا هذا كم من الرجال لن ينقذوا حياتهم.. لأنهم يستصعبون الندم.
يوسف أبولوز
y.abulouz@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى