غير مصنفة

ثمن الجهل بالتاريخ

خيري منصور

حين كان محمد علي باشا في أوج التجربة الرائدة، التي خاضها؛ لتحديث الدولة؛ وبناء الجيش، قدم له أحد مستشاريه عدداً من الكتب المترجمة عن الإيطالية والإنجليزية والفرنسية، منها: كتاب «الأمير» لميكافيلي، وقال له إن قراءتها تضيء جوانب من التاريخ، وقد تختصر كثيراً من الجهد والوقت على الزعيم؛ لكن الباشا سخر من هذه النصيحة، ورمى الكتب جانباً، وقال لمستشاره إنه متفرغ لصناعة التاريخ، ولا وقت لديه لقراءته.
وحين دارت الأيام، ولم يعد الباشا ينعم بربيعه، كانت المؤامرة الكبرى من أساطيل الكولونيالية الأوروبية.
وانتهى المشهد إلى تراجيديا اسمها «أبو قير»!
وحين قال لويس ملك فرنسا وآخر سلالة آل بوربون، إنه الدولة والدولة هو، لم يخطر بباله أيضاً أن الأيام دول كما قال شاعرنا العربي، وأن من سرَّه زمن ساءته أزمان، وانتهى المشهد إلى ما انتهى إليه عام 1789، ومن أطرف ما كتب عن تلك المرحلة قصيدة للشاعر جاك بريفير، قال فيها إن أسرة آل بوربون الفرنسية لم تكن تجيد الحساب، لهذا لم تتقن العد حتى العشرين، وكان يعني أن آخر لويس في فرنسا كان يحمل لقب التاسع عشر!
وكل من اعتقدوا أنهم يصنعون التاريخ، ولا حاجة بهم لقراءته دفعوا ثمن هذا الوهم.
ولو قرأوا التاريخ لاعتبروا من دروسه، وتداركوا تكرار الأخطاء؛ لأنه ما من تجربة على هذه الأرض غير مسبوقة، ويخطئ من يعتقد أنه أول من غنى أو كتب أو ظن بأنه آدمُ المعرفة!
والكتب التي نشرت بمختلف اللغات عن مصائر أباطرة كانت مأساوية أحياناً أو تزاوج بين المأساة والملهاة أحياناً أخرى، وكان محورها هو ثنائية صناعة التاريخ وقراءته.
والهدف من مقاربات كهذه هو تذكير الإنسان سواء كان قائداً أو فيلسوفاً أو فناناً بأن هناك من سبقوه، وعبَّدوا له الطريق، وكم كان عنترة العبسي حصيفاً وحراً حين قال: هل غادر الشعراء من متردم؟ وكأنه يقول ليس لدي سوى القليل لأقوله بعد كل هؤلاء السابقين!

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى