جرائم إرهابية في ميريلاند وبورتلاند
آري بيرليجر
عملية القتل التي وقعت في مدينة كوليج بارك بولاية ميريلاند، وراح ضحيتها «ريتشارد كولينز» وهو طالب أمريكي إفريقي كان قد تم تقليده رتبة ملازم ثانٍ في الجيش الأمريكي، ولا تفصله عن التخرج في جامعة «باوي ستيت» سوى أيام قليلة، سلطتْ الأضواء على العنف الذي يمارسه الجناح اليميني المتطرف في أمريكا. وينتمي «سين اوربانسكي»، الطالب في جامعة ميريلاند، الذي طعن كولينز حتى الموت، إلى مجموعة عنصرية على «فيسبوك».
ومن المنطقي أن يقوم مكتب التحقيقات الفيدرالي بمساعدة الشرطة في التحقيق في هذا الحادث، باعتبار أنه يُشتبه أن يكون جريمة كراهية؛ ولكن خبرتي على مدى 15 عاماً في دراسة التطرف العنيف في المجتمعات الغربية، علمتني أن التعامل بفاعلية مع عنف اليمين المتطرف يتطلب شيئاً أكثر: هو التعامل مع مظاهره على أنها إرهاب محلي.
وفي حين أن الهجمات من قبيل التفجير الانتحاري الأخير في مانشستر، الذي خلف 22 قتيلاً وعشرات من الجرحى، سوف يستمر في احتلال مزيد من العناوين الرئيسية، فإن هذا الخطر المحلي المتنامي يستحق اهتماماً أكبر مما يحصل عليه.
ومقتل كولينز، إذا كانت دوافعه مشاعر عنصرية، ينبغي أن يعامل على أنه عمل من أعمال الإرهاب المحلي، الذي أعرّفه هنا بأنه استخدام العنف في سياق سياسي واجتماعي يهدف إلى إرسال رسالة إلى جمهور مستهدف أوسع. والحوادث من هذا القبيل، مثل الإعدام خارج إطار القانون، ونهب المواقع الدينية، تهدف عمداً إلى إرهاب الناس غير البيض وغير المسيحيين.
وأنا أعتبر الإرهاب المحلي تهديداً أهم من تهديد الإرهاب المدبر في الخارج؛ وذلك لأسباب منها أنه أكثر شيوعاً من حيث عدد الهجمات على الأراضي الأمريكية. فعلى سبيل المثال، حدد تقريري الذي نشره «مركز محاربة الإرهاب» في وست بوينت، مئات من حوادث الإرهاب المحلية كل عام بين عاميْ 2008 و2012.
ويبين تقرير آخر، نشر في البداية عام 2014 من قِبل «مؤسسة أمريكا الجديدة»، عن حوادث العنف المتطرف المحلية، أن المقترفين المرتبطين باليمين المتطرف، ارتكبوا بين عاميْ 2002 و2016، باستثناء مذبحة الملهى الليلي في أورلاندو، 18 هجوماً أسفرت عن مقتل 48 شخصاً في الولايات المتحدة، بينما قتل الإرهابيون المحليون الذين تحركهم إيديولوجية «القاعدة» أو «داعش» 45 شخصاً في تسع هجمات.
وقد لمستُ في البيانات الصحفية لجهات إنفاذ القانون وصنّاع السياسة في بعض الأحيان، ميلاً إلى رؤية المتطرفين اليمينيين في الولايات المتحدة، باعتبارهم كتلة واحدة متجانسة؛ ولكن مجموعات «كو كلوكس كلان» التقليدية، تعمل بطريقة مختلفة عن مجموعات ذوي الرؤوس الحليقة، وكذلك تفعل جماعات «الوطنيين» والميليشيا المناوئة للحكومة، والمتطرفون المعارضون للإجهاض. كما أن مجموعات الهوية المسيحية، التي تعتقد أن الأنجلو ساكسونيين وغيرهم من أبناء الشعوب المنحدرة من أصول أوروبية شمالية، هم شعوب مختارة، متمايزة أيضاً.
ومن المؤكد أن ثمة بعض التداخل؛ لكن هذه المجموعات تختلف كثيراً أيضاً من حيث وسائل العنف، وأساليب التجنيد والإيديولوجيات؛ ولكن ينطبق عليها جميعاً، أن تقويض التهديد الذي تشكله يتطلب نهجاً أكثر تعقيداً من التحقيق في أعمالها الإجرامية باعتبارها جرائم كراهية مشبوهة.
وفي دراسة مستمرة أجريها في جامعة ماساتشوستس لويل، مع العديد من الطلاب، توصّلنا إلى أن العديد من الهجمات المستوحاة من مشاعر عنصرية أو كارهة للأجانب، كما حدث على ما يبدو في مقتل كولينز الأخير في ميريلاند- قد يبدو عفوياً. أي أنه لا أحد يخططها مسبقاً أو يستهدف الضحية قبل ارتكابها؛ بل إن المواجهات العرَضية التي تثير غضب المقترفين تؤدي إلى هذه الحوادث.
والهجمات المتفرقة، التي يقع فيها عدد كبير من الإصابات والمخططة مسبقاً، مثل قتل ديلان روف تسعة أمريكيين أفارقة في كنيسة بمدينة تشارلستون في كارولينا الجنوبية، تشكل دائماً أخباراً كبيرة. وتميل الحوادث الأكثر نمطية من عنف اليمين المتطرف إلى جذب اهتمام أقل.
والطعنات القاتلة التي تلقاها «تاليسين ميردين نامكاي ميشي»، و«ريكي جون بيست»، على متن قطار في بورتلاند، اوريغون يوم 26 مايو/ أيار، تبدو وكأنها استثناء. وقاتِل هذين الرجلين الأبيضين، «جيريمي جوزيف كريستيان» هاجمهما بسكين بعد أن تصدّيا له بسبب مضايقته لامرأتين تبيَّن أنهما مسلمتان، كما قالت الشرطة. وهنالك راكب ثالث مصاب، يتوقع أن يبقى على قيد الحياة. وتتركز معظم التغطية الإعلامية للحادث، على خلفية كريستيان العنيفة والعنصرية.
وبالنظر إلى الطبيعة العفوية لكثير جداً من عنف اليمين المتطرف، يجب على سياسات مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة، أن تلاحق في رأيي، نشر إيديولوجية التفوق الأبيض، بدلاً من تحديد الهجمات المخططة ومراقبة مجموعات التفوق الأبيض القائمة.
وقد ارتفع عدد الهجمات العنيفة على الأراضي الأمريكية، المستوحاة من إيديولوجية اليمين المتطرف منذ بداية هذا القرن، من 70 هجوماً سنوياً في المتوسط، في تسعينات القرن الماضي، إلى ما يزيد على 300 هجوم في المتوسط سنوياً، منذ 2001.
وعلى الرغم من الارتفاع في عنف اليمين المتطرف وخطة إدارة ترامب لزيادة ميزانية وزارة الأمن الداخلي بنسبة 6.7%، فإن البيت الأبيض يريد خفض الإنفاق على البرامج التي تكافح الإرهاب المحلي «غير الإسلامي».
كما جمدت الحكومة الاتحادية مبلغ 10 ملايين دولار من المنح التي تهدف إلى مواجهة التطرف العنيف المحلي. ومن شأن هذا النهج أن يضعف قدرة السلطات على مراقبة جماعات اليمين المتطرف.
*مدير الدراسات الأمنية في جامعة ماساتشوستس لويل، وهو أستاذ فيها. موقع: «ذي كنفرسيشن»