قضايا ودراسات

جلسة عمل مع وزير بريطاني

د.مصطفى الفقي

وجه لنا الدعوة المطران منير حنا، رئيس الطائفة الإنجليكانية في الشرق الأوسط وعموم إفريقيا؛ للقاء مع وزير الكومنولث البريطاني طارق أحمد والمعني أساساً بملف حقوق الإنسان والتواصل الثقافي والفكري مع الدول المصدرة للإرهاب، أو التي تعانيه. لقد كان اللقاء أشبه بالعصف الذهني، وقد أوكل إليَّ الحاضرون إدارة الجلسة وتوجيه الحوار؛ حيث تميز مستوى الحضور بالرقي والصحوة، فلقد حضره وشارك فيه كوكبة من المصريين المعنيين بالشأن العام، والمتخصصين في مجالات مختلفة، أتذكر منهم نائب رئيس الوزراء الأسبق الدكتور زياد بهاء الدين، وقرينته المتخصصة في دراسات التنمية الاجتماعية د. هانيا شلقامي، إضافة إلى أستاذ الطب ورجل الفكر والسياسة د. حسام بدراوي، والقاضي الأسبق محافظ المنوفية والقليوبية المستشار عدلي حسين، مع وجود مندوب عن فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، ومندوب آخر عن قداسة البابا تواضروس الثاني، إضافة إلى زملاء آخرين مثل السفير عبد الرحمن موسى مستشار الإمام الأكبر، والسفير جيفري آدمز سفير المملكة المتحدة الجديد في القاهرة، وقد بدأ اللقاء بكلمة للمطران منير حنا عن أسباب زيارة الوزير البريطاني، والدوافع التي دعت لعقد تلك الندوة، ثم أعقبته كمدير للجلسة بحديث موجز عن تاريخ العلاقة بين الأفكار القومية والتيارات الدينية في مصر، وتأثير ذلك في دورها في ريادة القوى الناعمة في المنطقة بأسرها، ثم تطرقت إلى توصيف الحالة المصرية لما تتميز به من تسامح عبر القرون، وقلت للوزير البريطاني: هل تتصور يا سيدي أن في القاهرة أكثر من اثني عشر معبداً يهودياً صالحة لأداء الصلوات، ولم يتعرض لها مصري واحد في سنوات المواجهة العسكرية 1948، 1956، 1967، 1973؟؛ لأن المصري بطبيعته متحضر، ويؤمن أن الدين لله والوطن للجميع، وذكرته بأن وزير المالية المصري كان منذ ثمانين عاماً يهوديّاً من أسرة مصرية، كما أن حاخام اليهود المصريين كان عضواً في لجنة وضع دستور عام 1923. فمصر دولة تفاخر دائماً باحتضانها للديانات واحتوائها للثقافات وصناعتها للحضارات. و تحدث بعد ذلك الدكتور زياد بهاء الدين، ثم الدكتورة هانيا شلقامي، وتبعهما الدكتور حسام بدراوي، وذلك بعد كلمة مستفيضة من الضيف البريطاني، الذي يبدو لي شخصية ذات أفق رحب ورؤية شاملة، ثم أفاض المتحدثون بعد ذلك في تصوير أبعاد الإشكالية المتصلة بدعم الديمقراطيات الغربية، وفي مقدمتها بريطانيا، للتيارات الدينية السياسية، وفي مقدمتها جماعة «الإخوان المسلمين»، واعتبارها هي وغيرها جزءاً من المعارضة السياسية، وليست جزءاً من التطرف المؤدي إلى الإرهاب.
والواقع أن الوزير البريطاني هندي الأصل مسلم الديانة؛ لذلك فإن جزءاً كبيراً من إدراكه لأبعاد القضية برمتها ينبع من فهم تاريخي لها وقرب فكري منها، وقد تحدث مندوب الأزهر الشريف الشيخ (محمد الأمير)، حاملاً رسالة من الإمام الأكبر لإعادة الترحيب بالوزير البريطاني، وإبداء الرغبة الدائمة للأزهر الشريف في إظهار وجه الإسلام الصحيح لكل من لا يعرفه على حقيقته، كما تحدث الدكتور سمير مرقس، وهو من رواد التبشير بفكر المواطنة، فأوضح للوزير البريطاني ملامح الحالة المصرية، وكيفية التعامل معها، ثم رأيت أن أختم اللقاء بأن أطلب من الوزير الضيف تعليقاً على كل ما قيل في تلك الجلسة الثرية، فأبدى ملاحظات ختامية تزخر بالإيجابية، وتعطي روح الأمل للفهم المشترك لطبيعة الظاهرة الدينية المعقدة في منطقتنا، كما أبدى ممثل الكنيسة القبطية، وهو أسقف لندن، ملاحظات بدت هي الأخرى داعمة لسياق المحاولات الإيجابية من أجل تحسين العلاقات بين أصحاب الديانات، وقد اختتم المطران منير حنا اللقاء بكلمة نهائية رحب فيها بكل ما قيل، ودعا الجميع إلى مائدة العشاء، ولم يتوقف الحديث على المائدة؛ إذ جرت حوارات جانبية، ومناقشات عابرة حول ذات الموضوع. وقد لفت نظري أن الوزير البريطاني يعرف عن الشأن المصري أكثر مما نظن، ويدرك عن أحوالنا ما لم نكن نتوقعه. وفي ظني أن العقل البريطاني كان ولا يزال هو صاحب أعمق دبلوماسية في فهم منطقة الشرق الأوسط وطبيعة الصراعات فيه، مع إدراك كامل لطبيعة الملف المصري في كل العهود. وأنا أظن أن بريطانيا هي صاحبة النظرية التقليدية في أن من مصلحة الشرق الأوسط ألا تسقط مصر، ومن مصلحته أيضاً ألا تحلق عالياً؛ لأنها عندما تفعل ذلك تمتد يداها خارج حدودها، كما حدث في عصري محمد علي وجمال عبد الناصر.

زر الذهاب إلى الأعلى