جيل الحرس الأحمر والنشاط السياسي في الصين
تأليف: غوبين يانغ
عرض وترجمة: نضال إبراهيم
في عام 1966 أصدر رئيس الحزب الشيوعي الصيني ماو تسى تونغ مرسوماً يقضي بتطهير الصين من مخلفاتها الرأسمالية الفاسدة، والنهوض بعهد جديد من الإيديولوجية الشيوعية الحقيقية من خلال إطلاق ثورة البروليتاريا الثقافية الكبرى، واستجابة لهذه الدعوة، شكل شباب الصين جماعات الحرس الأحمر الذين لالتزامهم الكبير بالإيديولوجية الماوية انخرطوا في أعمال تطهير وعنف كبيرة، إلا أن هذه الأعمال أجبرت ماو على إرسالهم إلى الريف لتجنب الحرب الأهلية، لكن كانت هذه نقطة تحول كبيرة في تاريخ الصين الحديث، حيث شكلت بداية للإصلاحات السياسية والاقتصادية والثقافية والفكرية اللاحقة، خاصة بعد أن تشكل لدى أولئك المبعدين قيم جديدة لا تقدس القيم الثورية الشيوعية.
يأتي الكتاب في 264 صفحة من القطع المتوسط باللغة الإنجليزية عن دار «مطبعة جامعة كولومبيا» في نيويورك بالولايات المتحدة، وينقسم إلى سبعة فصول ما عدا المقدمة والخاتمة وهي: العنف في تشونغتشينغ، أزهار الأمة، النظرية والمعارضة، الحياة العادية، الثقافة السرية، التنوير الجديد، الذكريات الفئوية.
اعتمد الكاتب في عمله على تحليل ثلاثة أشكال من البيانات الأساسية التي جمعها على مدى عشرين عاماً، وهي الوثائق التاريخية، ووثائق متعلقة باستعادة الأحداث، وحوارات وتواريخ حياتية. وأجرى أغلب الحوارات في 1998 و1999 لأجل رسالة الدكتوراه في جامعة نيويورك التي أنهاها في عام 2000. ومنذ ذلك الحين، توفرت أعداد كبيرة من منشورات الحرس الأحمر والمذكرات، والدراسات العلمية التي استفاد منها، كما قام برحلات جديدة إلى الصين، وخاصة إلى مدينة تشونغتشينغ في شتاء 2009 لأجل البحوث الأرشيفية، بالإضافة إلى إجرائه مقابلات خاصة حينها.
ويشير الكاتب إلى أنه قام بإنجاز هذا العمل لثلاثة أهداف وهي: أولاً استحضار وجهة نظر جديدة لفهم راديكالية الحرس الأحمر في سنوات الستينات من القرن الماضي، وثانياً: استخدام هذا الفهم كنقطة بداية لتعقب المسيرة طويلة الأمد لجيل الحرس الأحمر من سنوات الستينات إلى الوقت الحاضر. ويشير هنا إلى أن سيرة جيل الحرس الأحمر هي أيضاً تاريخ الاحتجاج والثقافة السياسية في الصين الحديثة، موضحاً أن السيرة والتاريخ متشابكتان بعمق، بحيث إن تحليل أحدهما لا يمكن أن ينفصل عن الثاني، أما الهدف الثالث له فهو تقديم وعرض رواية التحول في الاحتجاج السياسي والثقافة السياسية في جمهورية الصين الشعبية.
حقبة جديدة من التنوير
يرى غوبين يانغ في مقدمته أن القوى الشبابية التي صنعت الثورة بدأت أيضاً في التراجع عنها. إذ بعد عامين من القتال، أمر ماو إرسال ملايين من الحرس الأحمر إلى المناطق الريفية، وذلك كوسيلة للسيطرة على العنف والحد منه بشكل جزئي، لأن البلاد كانت على وشك الدخول في حرب أهلية كبيرة. ويقول المؤلف: «إن نوع الثقافة السياسية التي نشأوا عليها كانت الولاء لماو، وللثورة، ومكافحة أعداء الطبقة، والتضحية الجماعية الكاملة بالنفس. كان الأمر متروكاً للأفراد لإثبات أنهم يحملون أوراق اعتماد ثورية. وكان عليهم أن يفعلوا ذلك من خلال العروض الثورية. وعندما شاركت أغلبية المجتمع في مثل هذا الأداء التنافسي، كان لا بد من رفع راية الولاء باستمرار لإظهار أن كل واحد منهم كان أفضل من غيره»، مشيراً إلى أنه بسبب العنف، كان لديهم شعور بخيبة الأمل. فبعد كل المعارك، لم يكن هناك شيء محقق.
ويضيف يانغ: «إن التجارب التاريخية لهذا الجيل ولدت جيلاً اعتنق أولاً الثورة الثقافية وحركة الحرس الأحمر، ما وفر في نهاية المطاف الأساس الفكري والاجتماعي الحاسم لسياسات الإصلاح في الثمانينات». إذ إنه في البداية لم يكن الشباب المرسلون مستعدين على ما يرام للتكيف مع الحياة الريفية. ووجدوا أن الصين الريفية «متخلفة»، وأنهم غير مستعدين ليصبحوا فلاحين. ولكن بعد فترة – يقول يانغ – شكك هؤلاء الشباب في الثورة ومعناها، واكتسبوا فهماً جديداً لأنفسهم، ومجتمعهم، والسياسة، إذ إن الحياة الريفية كانت مختلفة تماماً عما تعلموه في المدرسة قبل الثورة الثقافية. ومن هذه التجربة، ولدت حركة ثقافية سرية. ورفض هؤلاء الثوار عبادة الأصنام السياسيين، فصاغوا شكلاً جديداً من أشكال المقاومة أسس لحقبة جديدة من التنوير، بلغت ذروتها في حركة «حائط الديمقراطية» في أواخر السبعينات و«احتجاج تيانانمن» عام 1989.
هذا التحول بين الأجيال وفر أساساً للتغيير السياسي والاجتماعي العميق في الصين. ومن الناحية السياسية، يقول يانغ إن «النظرة الجديدة لتوليد الحرس الأحمر أدت إلى الموجة الأولى من الاحتجاج الشعبي للديمقراطية في الفترة من 1976 إلى 1980. وكانت هذه الفترة نهاية حقبة ماو وبداية الإصلاح الاقتصادي». ويضيف: «بسبب الخبرة التي اكتسبوها في الريف، كانت المشاريع الخاصة أكثر قبولاً لدى بعض أعضاء الحرس الأحمر. عاد العديد منهم إلى المدن، لكنهم لم يتمكنوا من العثور على وظائف في الدولة. كما أصبح فهم المصلحة الشخصية والعمل من أجل المال الخاص والسعادة مقبولاً في أوساطهم. فقد أرست هذه الخبرة التي اكتسبوها الأساس الاجتماعي لانطلاق الإصلاح الاقتصادي».
تأثير الثقافة السياسية
ولفهم العنف الشديد في حركة الحرس الأحمر، يقدم يانغ في الفصل الأول من العمل دراسة حالة مدينة تشونغتشينغ، التي شهدت بعضاً من أعنف الصراعات في فترة 1967-1968 العصيبة. ويقول: «تظهر حالة تشونغتشينغ بشكل واضح جداً أن الثقافة السياسية كانت تكرس التقاليد الثورية للحزب الشيوعي بشكل كبير إلى درجة تأثيره في الحزبية وتصعيد العنف. وهذه الثقافة قامت بذلك من خلال جعل الثورة نصاً مقدساً لشباب الثورة الثقافية الذين التزموا به. وعلى الرغم من الاختلاف المناطقي الكبير، إلا أن الملامح الأساسية لحالة تشونغتشينغ يمكن إيجادها في مدن أخرى أيضاً في الصين»، مشيراً إلى أن أسباب العنف في تشونغتشينغ لم تكن فريدة في المدينة، لكن كان لها علاقة مع تأثيرات القوى في المجتمع الصيني بشكل عام.
يوسع يانغ في الفصل الثاني نطاق التحليل، ويعاين السبب والكيفية التي جعلت الثقافة السياسية في سنوات الخمسينات وأوائل الستينات من القرن الماضي تترك تأثيراً قوياً في جيل الحرس الأحمر. وفي الوقت الذي اجتمعت فيه العديد من العوامل لإنتاج التأثيرات، إلا أن الشرط الأساسي كان تقديس تقاليد الحزب الشيوعي الصيني والحملات الإعلامية المتعمدة والمستمرة لحث الشباب الصيني ليكونوا ورثة ثوريين. ويعلق يانغ: «عملت الثقافة السياسية، واستطاعت أن تعمل فقط، تحت ظروف تاريخية معينة. هذه الظروف شكلت العالم الاجتماعي للحرس الأحمر والمتمردين، عالم من الافتتان والخطر في سياق الحرب الباردة».
ويستطلع في الفصل الثالث المشهد العريض لانشقاق الحرس الأحمر من 1966 إلى 1968، ويشير إلى أنه إلى جانب الالتزام بالممارسات الثورية، كانت هناك أقلية صغيرة من الحرس الأحمر والمتمردين يقومون بالتنظير الثوري بنشاط، ويوضح أنه كما كان العنف الحزبي نتيجة العمل الثوري الممارس، بالتالي فإن الانشقاق، على عكس ما هو متوقع، نتيجة العمل الثوري النظري. يظهر هذا الفصل أن أسطورة الثورة نفسها التي أطلقت العنان لشغف الحرس الأحمر لممارسة العمل الثوري، وقادتهم إلى العنف، دفعت شغفهم أيضاً إلى النظرية الثورية. وفي محاولة لتطبيق هذه النظرية بدأ الشباب يعبرون عن أفكارهم المخالفة، وفي وقت لاحق بدأت حرب كلامية شديدة بين وسائل إعلام الحرس الأحمر نفسها.
النشاطات الاحتجاجية
ويغطي الكاتب في الفصلين الرابع والخامس فترة زمنية أطول، تبدأ من حوالي 1968 إلى 1979، إذ يتابع مسارات جيل الحرس الأحمر عبر سنوات الشباب المرسلين إلى الأرياف. ويعلق يانغ هنا: «إن الظروف التاريخية علّمت شباب جيل الحرس الأحمر بشكل حاسم أن دورهم كشخصيات في الدراما التاريخية الكبيرة للثورة المتخيلة قد اقترب من الانتهاء. ومع نهاية تلك الدراما، النص الذي كان يوجه تفكيرهم وأفعالهم فقد الكثير من سحره. وبالتوجه إلى الظروف المتغيرة، توجب عليهم أن يتعلموا نصوص حياة جديدة، ووجهات نظر جديدة، وقيم جديدة، وإطارات أخلاقية جديدة.
يعاين الفصل الرابع تاريخ حملة إرسال الشباب ويناقش كيف أن النصوص الجديدة التي تعلموها ناقضت وأزالت مضمون النص الثوري المقدس لديهم، أما الفصل الخامس فيتناول انخراط شباب الحرس الأحمر عند تواجدهم في الأرياف في الحركة الثقافية السرية، والنشاطات التي كانت تجري من تداول الكتب الممنوعة، وكتابة القصائد، والرسائل والقصص القصيرة في سياق تشكل الحركة الثقافية.
ويتناول الفصل السادس موجة النشاطات الاحتجاجية نحو نهاية عهد الثورة الثقافية، بدءاً من حركة الخامس من إبريل في 1976 وانتهاء بفوضى انتخابات الحرم الجامعي في 1980. ويناقش أن موجة الاحتجاجات الجديدة كانت انقلاباً راديكالياً لحركة الحرس الأحمر ومبشراً بالاحتجاجات الطلابية في 1989. كما أنها مثلت نقطة جديدة حاسمة في كل من مسار جيل الحرس الأحمر وفي تاريخ الصين الحديثة، حيث دشنت موجة الاحتجاجات في 1976 – 1980 عهداً جديداً من التنوير في التاريخ الصيني الحديث.
ويناقش الفصل السابع ذكريات الثورة الثقافية من بدايات عهد الإصلاح إلى الوقت الحاضر. ويظهر أن الثورة الثقافية يتم تذكرها بشكل اختياري، وأن تاريخها متفتت ومجزّأ. ويشير إلى أن «العامل الحاسم في تشكيل ذكريات الثورة الثقافية هو الخط الطبقي نفسه، وإن يكن في بعض الأحيان في أقنعة مختلفة، إذ إنه كان موضع الصراع السياسي بين «الحرس الأحمر القديم» والمتمردين في 1966، ويقول: «إن ذكريات ما بعد الثورة الثقافية هي حقل التنافس بين القوى نفسها التي كانت في حرب أثناء الثورة الثقافية»، مشيراً إلى أن تاريخ الصين المعاصرة ربما يتم قراءاته كاستمرار لتاريخ الثورة الثقافية.
ويجد يانغ في الخاتمة أن «التحول التاريخي لجيل الحرس الأحمر كان مملوءاً بالتناقضات. وبالنسبة لأبطال قصتي، تاريخ جيل لم يكن بشيء أقل من تاريخ اضطراب دائم للحيوات الشخصية. ومع ذلك، وبشكل ملاحظ، وسط هذه الاضطرابات اللانهائية، تجدهم يحتفظون بإحساس التفاؤل والأمل حتى وقتنا الحاضر».
نبذة عن الكاتب:
غوبين يانغ هو أستاذ الاتصالات وعلم الاجتماع في كلية أننبرغ للاتصال وقسم علم الاجتماع في جامعة بنسلفانيا، كما أنه عضو هيئة التدريس في مركز لدراسة الصين المعاصرة ومركز دراسات شرق آسيا في الجامعة نفسها.
وتشمل مجالات بحثه وسائل الإعلام الرقمية والنظرية الاجتماعية النقدية، والاتصالات العالمية، والحركات الاجتماعية، ووسائل الإعلام الناشطة، والنشاط البيئي، وعلم الاجتماع الثقافي، ووسائل الإعلام والسياسة في الصين. نال كتابه «سلطة الإنترنت في الصين: نشاط المواطنين» جائزة أفضل كتاب لقسم الاتصالات وتقنية المعلومات في الجمعية الأمريكية لعلم الاجتماع، 2010. وله كتب أخرى بالمشاركة مع باحثين آخرين، فضلاً عن نشر مقالاته وأبحاثه في عدد من المجلات.
كان في السابق يعمل أستاذاً مساعداً لعلم الاجتماع في جامعة هاواي في مانوا بالولايات المتحدة، وأستاذاً مشاركاً في الثقافات الآسيوية والشرق أوسطية في كلية برنارد من جامعة كولومبيا. وهو حاصل على درجة الدكتوراه في الأدب الإنجليزي مع تخصص في الترجمة الأدبية من جامعة بكين للدراسات الأجنبية والدكتوراه الثانية له في علم الاجتماع من جامعة نيويورك.