قضايا ودراسات

حاسوب أكثر ذكاء

خيري منصور
ما قاله الراحل هشام شرابي مراراً في كتبه عن تكوين المجتمع العربي وبنية الأسرة، وهو فشل أخي نجاحي وفقره ثرائي ومرضه عافيتي، قد يبدو للوهلة الأولى إفراطاً في السوداوية والتشاؤم، لكن الواقع بكل ما أفرزه في العقود القليلة الماضية يعطي لشرابي ومن قبله عالم الاجتماع العراقي د. علي الوردي درجة عالية من الصدقية. وهناك بالفعل نماذج بشرية تبحث دائماً عن الأدنى كي تستطيل قاماتها، على طريقة «سوينت» في رواية «جلفر في بلاد الأقزام».
وانعكست هذه الرياضيات والديناميات السلبية على مجمل حياتنا، بحيث أصبح الحاسوب القومي متخصصاً وفي أقصى ذكائه بما له صلة بالطرح والقسمة، لكنه أميُّ في الجمع والضرب، وهناك العديد من المؤرخين وعلماء الاجتماع وفي مقدمتهم الرائد ابن خلدون حذروا البشرية من مثل هذه الظواهر السلبية، التي يحل فيها الأقل قبحاً مكان الجميل والأقل حمقاً مكان الذكي، والأقل شراً مكان الفاضل، وبالطبع هذه ليست سمات أبدية في سايكولوجيا العربي كما تصور بعض غلاة المستشرقين، لأن الغرب ذاته مرّ بمراحل أسوأ من هذه، لكنه تخطاها بالنقد الذاتي والمراجعات وبث ثقافة الاعتذار والاعتراف بالأخطاء.
وعلى سبيل المثال حين يظفر عالم عربي بجائزة عالمية سرعان ما يقفز إلى المشهد أناس يزعمون بأنهم الأجدر، وقد يطعنون بكفاءة زميلهم الذي نال جائزة هي في الحقيقة باسمهم ولهم على صعيد رمزي.
وقد يكون التحاسد من صميم الوضع البشري، لكنه شأن العديد من الغرائز والدوافع البدائية يتعرض لتدجين ثقافي بالمعنى الإيجابي، بحيث تصبح الإثرة وهي ذروة الأنانية إيثاراً، وهو أقصى نكران الذات.
ما نرجوه هو أن تكون مثل هذه الظواهر عابرة، ومن إفرازات حقبة قابلة للتجاوز، فالحواسيب سواء كانت ثقافية أو من أي طراز آخر لها وظائف أخرى غير الطرح والقسمة، وفي النجاح متسع لآلاف البشر، وليس ضيقاً بحيث يقتصر على شخص واحد.Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى