حبل وشنب وحقيبة ولوحة
قد تكون قد قرأت شيئاً حول ما ذكرته صحيفة «الاندبندت» بشأن قيمة الحبل الذي شُنقَ به صدام حسين ويساوي 7 ملايين دولار في مزاد بين ثريين عربيين وإحدى العائلات «الإسرائيلية» الثرية بالطبع، وفي النهاية هو مجرد حبل قد يكون ثمنه عندما استخدم في المقصلة القليل من الدنانير العراقية، ولكن الدلالة هنا ليست الحبل في ذاته، بل، الحدث والتاريخ والشخص الذي جرى إعدامه، ومن يدري، فمع الزمن قد يعرض هذا الحبل بضعف ما هو معروض الآن.
قبل أيام، في أثناء إخراج رفات الرسام السوريالي «سلفادور دالي» تبين أن شاربه أو شنبه كما هو منذ وفاته في العام 1989.. ومن يدري أيضاً.. فقد يعرض شنب صاحب لوحة الساعات السائلة في مزاد يصل إلى الملايين، أما حقيبة رائد الفضاء الأمريكي «آرم سترونغ» الصغيرة البيضاء التي جمع فيها عينات من القمر في العام 1969 فأوصلها المزاد إلى 1.8 مليون دولار.. وماذا تحتوي الحقيبة؟؟ قد تحتوي حفنة من الرمل أو الحصى.
الحبل، والشنب، والحقيبة ما هي سوى تسالي بالنسبة للأثرياء أو حتى أنصاف الأثرياء وقد تخلو مثل هذه المزادات من أي قيمة ثقافية.. سوى شيء واحد فقط هو التسلية والاستعراض وربما الاستثمار أيضاً، غير أن الأمر يختلف كلياً في سوق اللوحات التشكيلية، وإليك هذه الأسعار التي قرأتها في الشبكة العنكبوتية، وهي صحيحة مئة في المئة؛ لأن تاريخ الفن الحديث موثق من هذه الناحية بالذات، فقد بلغت قيمة لوحة «لاعبو الورق» للرسام الفرنسي بول سيزان 1839 وحتى 1906 حوالي 300 مليون دولار وتمثل صورة لرجلين متقابلين يلعبان الورق.. أما الرسام الأمريكي «جاكسون بولوك» فقد وصلت إحدى لوحاته إلى 140 مليون دولار، وهو عاش من 1912- وحتى 1956، أما أسعار بيكاسو، فهي الأعلى دائماً.. لوحته «الحلم» بيعت بـ 155 مليون دولار، وعلى الرغم من أن الرسام الهولندي «فينسينت كوخ» قد عاش حياة صراع نفسي وفقر وجنون وصل به إلى حد قطع أذنه.. فإن لوحة من لوحاته وصلت إلى أكثر من 82 مليون دولار، وكان هو الذي عاش من 1853 وحتى 1890.. وكان لا يجد أحياناً ما يأكله من الخبز.
أتوقف عند هذا الحد من عرض اللوحات وأسعارها التي تنقل الرسام في لحظة من الثواني من العيش تحت خط الفقر إلى العيش فوق خط الذهب.. للإشارة إلى أن هؤلاء الفنانين قد بيعت لوحاتهم بعد وفاتهم، والقليل القليل منهم من رسم وعاش حياته معمداً بالثروة والشهرة.. ولكن من هم مقتنو هذه اللوحات؟؟
رجل الأعمال الأمريكي رونالد لاودير، مثلاً، اشترى لوحة للفنان «غوستاف كليمنت» في العام 2006 مقابل 135 مليون دولار، واشترى بحسب المواقع الإلكترونية رئيس أحد مصانع الورق في اليابان لوحة فان كوخ التي تحدثنا حولها قبل قليل، والمليونير الأمريكي «ستيفن كوهن» اشترى لوحة بيكاسو.
اقتناء اللوحة عمل ثقافي رفيع المستوى، وأن تدفع لها الملايين من الدولارات، فإنما يعود ذلك إلى تاريخية اللوحة وقيمتها الفنية والثقافية، وإلى جانب هذا الاحتفاظ بكنز إبداعي عالمي، فإن قيمته المادية والمعنوية ترتفع مع مرور الزمن ويصبح ثروة في حد ذاته.. ثروة ثقافية، وأيضاً، ثروة مالية.. وفي هذه الحالة لا يتسلى المليونير أو صاحب المصنع كما أنه لا يلعب؛ بل، يستثمر.
يوسف أبولوز
y.abulouz@gmail.com