حتى لا تصطدم باليابسة
نحن نعاند ونكابر، وإذا لم تكن هذه الصفة موجودة في البعض كصفة ثابتة، فإنها وبطريقة أو أخرى تمر بهم مرة أو اثنتين أو تظهر في موقف هنا أو هناك.. العناد ليس صفة طفولية وحسب، كما قد يعتقد البعض، بل حتى الكبار ومن هم في مرحلة النضج العقلي والعاطفي ويملكون خبرات حياتية طويلة، قد يتورطون في هذا السلوك من دون دراية أو دون تركيز، ولو لم تكن هذه الصفة موجودة ومترسبة في عقول البعض لما كنا نرى الكثير من الخصومات والمشاكل الطاحنة التي تقع لأسباب متواضعة ولا تستحق الذكر.
قرأت قبل فترة من الزمن قصة لعلها تحمل هذا المعنى، حيث تقول: في ليلة مظلمة وأيضاً ملبدة بالغيوم كانت سفينة تبحر، عندما شاهد قبطانها ضوء سفينة أخرى تقترب نحوهم، قام موظف الإشارات الضوئية، بإرسال رسالة للسفينة التي تقترب منهم وبعث برسالة تقول: قم بتغيير وجهة سيرك نحو الجنوب بمقدار عشر درجات، لكن الرد وصلهم، قم بتغيير سيرك نحو الشمال بمقدار عشر درجات، استشاط قبطان السفينة غضباً من هذا الرد وطلب من الموظف أن يرسل لهم التالي: أنا قبطان، قم أنت بتغيير وجهة سيرك نحو الجنوب بمقدار عشر درجات.. لكن سرعان ما جاءه الرد يقول فيه: وأنا بحار من الدرجة الأولى وأقول لك، قم بتغيير وجهة سيرك نحو الشمال بمقدار عشر درجات، فكان هذا الرد بمثابة تحدٍ، عندها أرسل القبطان النص التالي: أنا قبطان سفينة حربية، قم بتغيير وجهة سيرك نحو الجنوب بمقدار عشر درجات، وأيضاً وصله الرد سريعاً: وأنا أرسل إليك الإشارة من الفنار، قم بتغيير وجهة سيرك نحو الشمال بمقدار عشر درجات، والفنار هو البرج على الميناء أو اليابسة الذي يشير للسفن ويوجهها لتجنب الصخور التي عادة تقع بالقرب من اليابسة، وببساطة متناهية دخل قبطان السفينة الحربية في جدال سببه ومبعثه العناد، ولو أنه تروى وقدم نفسه وطلب معلومات عن الآخر، لما حدثت هذه القصة التي تدل على عدم مهنية ومهارة بحرية، وبطبيعة الحال انحرف القبطان بسفينته الحربية عشر درجات نحو الشمال، وأنصت للتوجيهات. العناد كارثة حقيقية خاصة عندما يقع ممن بيده مسؤولية، دوماً الحكمة والتروي، موانع وحاجز عن الوقوع في عناد غير مبرر وغير مفهوم سببه ولا دواعيه.
شيماء المرزوقي
Shaima.author@hotmail.com
www.shaimaalmarzooqi.com