حجر منى السعودي
يوسف أبولوز
تعرض النحاتة الأردنية منى السعودي في الشارقة، كعادتها، بلياقة شعرية دائماً، وبروح تلمس جوهر الحجر ولغته وسره الكامن في الجماد الذي يتحول بالمطرقة والإزميل إلى ماء وقصائد.
كانت طفولة منى السعودي في فضاء حجري آثاري تاريخي معروف في العاصمة الأردنية عمّان، وكانت الحجارة وظلالها وبرودتها المشبعة بالضوء تحيط بتلك الطفلة في منطقة المدرج الروماني المتسلسل بالحجر في تشكيلات متدرجة ترسل إيقاعها على نحو أفقي، هو الأفق الذي ركضت فيه منى السعودي، وحولته إلى عيد أو مهرجان.
طفلة الحجر تبلغ السابعة عشرة من العمر، وسوف يكون النحت خيارها الأبدي منذ تلك اللحظة النورانية الشعرية، فتقرر السفر إلى لبنان، وفي قرية «راشانا» تتلقى الإشارة الصوفية من المدى النحتي الإيقاعي في أعمال «دليلها» الأول النحات اللبناني ميشال بصبوص، ولكن، وكما يقول المثل «..شُدّ عربتك إلى نجم..» وكانت باريس نجمة منى السعودي، شدت عربتها إلى مدينة النور، وهناك درست النحت كي تترجم مغامرتها إلى سيرة وحياة هي المسكونة منذ فتوتها بالجرأة والشجاعة والعصامية الفذة.
تتماثل صلابة الحجر مع الصلابة «الرهيفة الشفافة» في شخصية منى السعودي التي تعرف جيداً فن الإصغاء للغة الكونية المولودة من الحجارة، وليست أية حجارة، بل هي الأدرى بكينونة هذه المادة الأولى في الطبيعة، وإذاً، سوف تختار حجارتها: الخضراء، والصفراء والوردية والرخامية والحجرية، كل حجر وله لغة، وهي ترجمان اللغة، كما هي ترجمان الشوق، ومنطق الطير الذي كما لو أنه يولد من رحم الحجر.
تقترب من الشعر، وتدوره نحتاً نقياً صافياً بلا خدش ولا نتوءات، وتعرف جيداً سر الشعر وسر الحجر، وتجدل من السرين حكايتها التي لم تعرفها شهرزاد، فهي لا تنحت من أجل شهريار كي ينام على سرير من الأبنوس، بل هي في ذاتها صوفية، تجريدية، وتعرف أيضاً روح التصوف والتجريد في لغة الشعر.. هكذا سوف تذهب إلى مختارات مقروءة بحرفية نحاتة شاعرة مثقفة راقية التذوق لقصائد من محمود درويش، وراشد حسين، وسان جون بيرس، وغيرهم ممن تسكن روح الحجر في شعرهم المنحوت.
كتبت منى السعودي الشعر «شعرنة» الحجر، وروضت صلابته وحولته إلى حقيقته الموسيقية التشكيلية برؤيتها أولاً وبمزاجها الشعري ثانياً.. أو تالياً..
شعرية منى السعودي هي شعرية الحلم.. شعرية الولادة والخصب وعبقرية الطبيعة المفتوحة لها دائماً كي تختار مادتها النحتية من الجبل، والوادي، والهضاب، والسهب المغسولة بالنور.
نحاتة عالمية. تحب الشعر والحياة والأصدقاء، وعنوان أعمالها المرونة ثم المرونة، وفي داخل كل عمل نحتي لها ثمة روح وجوهر.. وقصيدة..
تنحت منى السعودي منذ أكثر من أربعين عاماً، شيدت خلالها معمارها الخاص العصي على التكرار والتقليد والاستنساخ، بنت مدينة، وربما معمورة من الحجارة.. المدخل إليها الشعر، والمخرج منها الشعر بيدين من مخمل.. دائماً.
yabolouz@gmail.com