حديث إلى الشباب
د. حسن مدن
قرأت لسلامة موسى، أول ما قرأت له، وأنا تلميذ في المدرسة. وما زلتُ حتى اليوم أعود إلى قراءة مؤلفاته، فأجدها من النوع الذي لا يبلى ولا يشيخ. وحين يسألني أحد من القراء الشباب اليوم عن الكُتّاب الذين أنصحهم بأن يقرؤوا لهم، لا أتردد أبداً في أن يكون اسم سلامة موسى أولهم.
ورغم الفاصل الزمني الطويل بين شبان وشابات اليوم وزمن سلامة موسى، فإني أشعر أنهم لن يجدوا أي غربة تجاه مؤلفاته وما تحمله من أفكار، وأكاد أزعم أنهم سيجدون أنفسهم وجهاً لوجه أمام المسائل التي تفرضها عليهم الحياة، لا على صعيد دورهم في هذه الحياة وتجاه مجتمعاتهم فحسب، وإنما أيضاً تجاه أنفسهم، وهم في مقتبل العمر وفي طور تشكل شخصياتهم التي بها سيواجهون القادم.
والسبب في ذلك لا يعود فقط إلى أن مجتمعاتنا التي حلم سلامة موسى وعمل من أجل تطورها وتغيرها نحو الأحسن، ما زالت تواجه المهام ذاتها التي واجهتها الطليعة التنويرية في زمنه، بل إننا، في بعض الأوجه على الأقل، شهدنا نكوصاً عما أمكن إنجازه يومذاك، وإنما أيضاً لأن سلامة موسى من فصيلة الكتاب الذين يمكن أن تقرأ مؤلفاتهم في عصور مختلفة، فلا نشعر بأن ما فيها من أفكار قد تقادم. لذا يصح القول بأن شباب اليوم سيجدون فيها متعة لا تقل عن متعتنا نحن عندما قرأناها يوم كنا شباباً.
للأسف الشديد، لم تعد نسخ غالبية مؤلفات سلامة موسى متاحة اليوم في المكتبات أو في معارض الكتب العربية، إلا فيما ندر. وكم أتمنى لو أن دار نشر في مصر، أو في غيرها من البلاد العربية، تولّت، بالاتفاق مع ورثته، إعادة طباعة كتبه جميعها، وجعلها في متناول الأجيال الجديدة من القراء، لأنها ليست مجرد مرآة لعصره، إنما هي مرآة للحاضر والمستقبل، على نحو ما قلنا أعلاه.
كثيرة هي الكتب التي وجّهها سلامة موسى للشباب، سواء ذكر ذلك في عناوينها أو في متنها أو لم يذكر، وحسبي هنا أن أشير إلى واحد من هذه الكتب هو الذي حمل عنوان «مشاعل الطريق إلى الشباب»، الذي صدرت طبعته الأولى قبل أكثر من ستين عاماً، وهو يستحق أن يوصف بأنه خريطة طريق للشباب كي يبصروا دروب الحياة أمامهم.
في مقالين مختلفين في هذا الكتاب يحث موسى الشباب على التحلي بخصلتين حميدتين هما التفاؤل والشجاعة. وكانت المحبطات وبواعث التشاؤم في زمنه ليست قليلة، فالوضع لا يختلف، من حيث الجوهر، عما نحن فيه اليوم، وهذا ما نستدله من قول الكاتب: «ولست أتجاهل رذائلنا ونقائصنا، لا بل مقابحنا»، لكنه يدعو إلى أن ندين بدين التفاؤل والتيمن ونقتحم المستقبل».
خيار مثل هذا تلزمه الشجاعة، لأن الخوف معيق للذكاء لأنه يحول بيننا وحرية الذهن والابتكار والتطور، ف«من يخاف المخالفة يفكر وهو محاط بسياج يجمد ذهنه ويمنعه من الوثوب».
madanbahrain@gmail.com